الإنجليز المشهورين الذين مروا بالقاهرة ، كان يحاول إقناع هؤلاء أنه عندما كان فى الحجاز ، كان يعلم جيدا أنى (الشيخ إبراهيم أو إن شئت فقل بوركهارت) لم أكن مسلما ، وأن صداقته (أى محمد على) مع الإنجليز هى التى جعلته يتغاضى عن ذلك ، ويسمح لى باستغلال القاضى. كانت لدى محمد على باشا فكرة أوحى له بها بعض مستشاريه من الفرنجة فى القاهرة ، مفادها أنى فى أسفارى المستقبلية ، قد أتباهى بخداعى له واستغلالى إياه ، مثلما حدث مع على بك العباسى ، الذى كان كتابه قد وصل إلى القاهرة ، والذى يقول فيه إنه لم يخدع الباشا وحده ، وإنما خدع أيضا العلماء كلهم ، أو إن شئت فقل أهل العلم فى القاهرة. المسألة كانت أخطر بالنسبة لمحمد على من منطلق أنه لو كان أحمق فذلك لا يضير ، وإنما الأهم هو ألا يكون مسلما حقيقيا فى عيون الآخرين.
وعلى الرغم من هذه التصريحات الصادرة عن الباشا إلى أعيان الإنجليز ، والتى كانت تجرى فى الجلسات الخاصة ، والتى لم تكن مصحوبة بكلام يسىء إليه ، واصلت حياتى فى القاهرة بعد عودتى إليها باعتبارى مسلما ، دون أن يضايقنى أحد ، ، فى الحى التركى ، وأنا لا يسعنى إلا أن أشكر محمد على باشا على استقباله الطيب لى فى الطائف ، وأشكره أيضا على عدم وضع عراقيل أو عقبات فى طريق أسفارى فى الحجاز.
كنت فى مكة [المكرمة] فى شهر ديسمبر ، وفى المدينة [المنورة] فى شهر إبريل ، وهما الموعدان اللذان كان الباشا فيهما موجودا فى هاتين المدينتين ، لكنى وجدت من الصالح والمناسب لى ألا أكون معه فى أى من هذين المكانين ، اللذين لم أكن معروفا فيهما مطلقا. كانت خطتى فى الأسفار والترحال تقضى بأن ألجأ إلى العزلة قدر المستطاع ، وفيما عدا وجودى القصير فى الطائف ، التى اضطرتنى ظروفى فيها إلى الظهور بعض الشىء ، كان الناس فى الحجاز يعرفون أنى مجرد واحد من الحجاج ، رجل من أعيان مصر ، رجل لا يعرفه أحد سوى قلة قليلة من ضباط الباشا الذين التقيتهم فى الطائف.