دقيق ، وبسكويت ، وزبد ، حصلت عليها من جدة بثلث الثمن الذى تباع به فى مكة ، وعقب وصولى إلى مكة مباشرة استأجرت سكنا لائقا فى حى من أحياء المدينة غير المطروقة ، ويسمونه حارة المسفلة. فى هذا الحى تمتعت بميزة وجود بعض الأشجار الكبيرة التى كانت أمام نافذتى ، كان منظر هذه الأشجار ، بين هذه الصخور القاحلة التى أحرقتها الشمس ، يدخل السرور إلى نفسى أكثر من أى منظر طبيعى آخر من المناظر التى يمكن أن أراها فى ظروف مختلفة عن الظرف الذى أنا فيه حاليا. فى هذا المكان كنت أتمتع بحرية واستقلال أحسد عليهما ، ترددت على أماكن كثيرة ، ورأيت الكثير من المجتمع بالطريقة التى تعجبنى ، واختلطت بكثير من الحجاج الأجانب من كل أنحاء الدنيا ، ولم أكن محطا للملاحظات البذيئة أو الاستفسارات المستفزة. وعندما كان أحد يسأل عن أصلى (وهذا أمر نادر الحدوث فى مكان يعج بالغرباء والأجانب) ، كنت أقول إنى واحد من فيلق المماليك الذين جرى تجريدهم من سلطتهم فى مصر ، وكان سهلا على تحاشى أولئك الأشخاص الذين ربما أدت معرفتهم الوثيقة بالبلاد إلى اكتشاف كذبى وتنكرى ، لكن لم يكن هناك ما يخيفنى من النتائج التى يمكن أن تترتب على أكتشاف أمرى ، ذلك أن مسألة التنكر أمر سائغ بين الرحالة الشرقيين كلهم ، وبخاصة فى مكة ، التى يدعى كل رحال فيها الفقر هربا من تكلفته ما لا يطيق أو تكبيده نفقات أو مصروفات كبيرة. طوال رحلاتى كلها فى الشرق ، لم أتمتع بمثل حرية الحركة التى نعمت بها فى مكة ، وسوف أحتفظ دوما بذكرى طيبة لمقامى فى ذلك البلد ، وذلك على الرغم من أن حالى الصحى لم يسمح لى بالاستفادة من المزايا كلها التى هيأها لى الموقف الذى كنت فيه ، وسوف أبدأ الآن فى وصف المدينة ، وسكانها ، والحج ، ثم أستأنف بعد ذلك قصة أسفارى.