آلاف المصابيح التى يجرى إشعالها فى شهر رمضان فى المسجد الحرام ، جعلت منه ملاذا ليليا لكل الأجانب الموجودين فى مكة ، كانوا يتمشون فى المسجد أو يجلسون يتسامرون إلى ما بعد منتصف الليل. كان المشهد يشكل منظرا فريدا يشبه (باستثناء غياب النساء) تجمعات منتصف الليل الأوروبية ، إن المسجد الحرام ينبغى أن يكون الحرم المقدس للدين الإسلامى ، هذه الليلة الأخيرة من رمضان ، لا تعكس تلك المباهج الاحتفائية التى نشاهدها فى أجزاء أخرى من الشرق ، يزاد على ذلك أن الأيام الثلاثة التى تلى هذه الليلة تخلو من المتع العامة. هذه هى قلة قليلة من الأرجوحات الصغيرة جرى وضعها فى الشوارع ليتسلى بها الأطفال ، وهؤلاء هم بعض الحواة المصريين يعرضون ألا عيبهم على الجموع التى فى الشوارع ، ولم يكن هناك أى شىء آخر غير ذلك للاحتفاء بالعيد ، لكن يستثنى من ذلك الملابس غامقة الألوان التى يتفوق فيها أهل الجزيرة العربية على كل من السوريين والمصريين.
قمت بالزيارة المعتادة فى مثل هذه الظروف ، فقد ذهبت لزيارة القاضى بمناسبة العيد ، وبعد انتهاء اليوم الثالث (المصادف للخامس عشر من شهر سبتمبر) توجهت إلى جدة لاستكمال معدات سفرى ، التى يسهل الحصول عليها فى جدة عن مكة. وبينما كنت فى طريقى إلى الشاطئ ، جرى أسرى بواسطة جماعة عابرة من الوهابيين ، وطال مقامى فى جدة مدة ثلاثة أسابيع ، وكان السبب الرئيسى وراء ذلك المقام الطويل هو تورم قدمىّ ، وهذا مرض شائع فى هذا الساحل غير الصحى ، الذى تتحول فيه عضة النملة الواحدة ، إذا ما أهملت ، إلى جرح خطير.
عدت إلى مكة فى حوالى منتصف شهر أكتوبر ، ومعى عبد كنت قد اشتريته من جدة. هذا الصبى كان من بين القافلة التى ذهبت معها من السودان إلى سواكن ، وقد اندهش هذا الصبى أيما اندهاش عندما رآنى على حال غير الحال التى رآنى عليها من قبل ، أخذت معى حمل جمل من المؤن والتموينات ، القسم الأكبر منها عبارة عن