والسجود هو وتذكر المسافات البعيدة التى يأتى منها الحجاج والذين يقدر عددهم بما يتردد بين ستة آلاف شخص وثمانية آلاف ، وكذلك الغرض الذى جاءوا من أجله ، كل ذلك لا بد أن يترك انطباعا فى نفس ذلك المتفرج بارد الذهن ، وأن ذلك الانطباع يكون مصحوبا بشىء من الرهبة والخوف. عندما يرخى الليل سدوله ، وبعد أن تضاء المصابيح ، وأثناء قيام أعداد من المؤمنين بالطواف حول الكعبة ، وكذلك منظر الجماهير المنشغلة وأصوات المطوفين ، الذين يصرون على إثبات وجودهم من خلال أولئك الذين يرددون الدعاء الذى يدعو به هؤلاء المطوفون ، جرى الصبية ، ولعبهم ، وضحكهم يضفى على ذلك كله مظهرا مختلفا تماما ، يشبه منظر أولئك الذين يتمتعون بمتعة عامة بريئة. هذا الجمع من البشر يغادر المسجد الحرام عند الساعة التاسعة مساء ، التى يتحول المسجد عندها إلى مكان صامت ومساكن للتأمل والدعاء ، عند قلة قليلة من الزائرين الذين يذهبون إلى ذلك المسجد من منطلق الورع والتقوى الخالصة ، وليس بدافع من الأمور الدنيوية أو المحاكاة.
هناك رأى سائد فى مكة ، قائم على حديث شريف ، مفاده أن المسجد الحرام سوف يضم أعدادا من المؤمنين مهما كثر ذلك العدد ، وإن قدر للمسلمين كلهم الدخول إلى المسجد الحرام فسوف يتسع لهم جميعا ويؤدون فيه الصلاة. يقال إن الملائكة الحراس سوف يمددون أبعاد المبنى ، ويقللون من أحجام البشر. هناك حقيقة مفادها أن المسجد الحرام فى أشد مواسم الحج ازدحاما ، الذى لا يمكن أن يتسع لحوالى خمسة وثلاثين ألف مصل لا يمكن أن يمتلئ بالمصلين مطلقا. حتى فى أيام الجمع ، فإن العدد الكبير من المكيين ، وذلك على العكس من تعليمات الشريعة ، يصلون فى منازلهم ، هذا إن لم يصلوا على الأطلاق ، كما أن كثيرا من الحجاج يحذون حذو المكيين أيضا. أنا لم أحص فى المسجد مطلقا أكثر من عشرة آلاف مصل فى آن واحد ، حتى بعد العودة من عرفات ، عندما يتجمع القسم الأكبر من الحجاج ، لأيام قلائل ، فى المدينة وحولها.