من الصعب إقناع المكى ببيع نصيبه من الصرة ، التى يعدها نوعا من التشريف فضلا عن كونها أيضا المورد الرئيسى لإعاشة أسرته ، ومع ذلك نجد أن قيمة الصرة تغيرت تغيرا كبيرا. هذه البطاقات فقدت قيمتها تماما فى زمن الوهابيين ؛ نظرا لأن حملة هذه البطاقات لم يحصلوا على شىء طوال ثمانى سنوات. هذه البطاقات بدأت تعود إلى سابق عهدها على استحياء ، لكن بعض هذه البطاقات بيعت بقيمة عامين ونصف العام من ثمنها ، الأمر الذى يثير التساؤلات حول مدى استقرار الحكم التركى ، أو عودة الوهابيين.
أتفه الناس ، وأرذلهم ، وأكثرهم وقاحة من بين المكيين هم الذين يمتهنون مهنة الإرشاد (مطوف أو دليل) ، ونظرا لأن الناس ليسوا بحاجة إلى هذه الصفات ، ونظرا أيضا لزيادة الطلب على المرشدين أثناء موسم الحج ، نجد أن عدد هؤلاء المطوفين والأدلاء يتزايد فى موسم الحج. وإلى جانب الأماكن التى أتيت على ذكرها فى مدينة مكة ، نجد أن المطوفين يرافقون الحجاج إلى أماكن الزيارة الأخرى فى المدينة المقدسة ، ونجدهم أيضا على استعداد لتقديم الخدمات على اختلاف أنواعها فى المدينة ، لكن فائدة هؤلاء المطوفين الأدلاء لا تتناسب مطلقا مع انتهازيتهم ووقاحتهم ، ترى هؤلاء المطوفين وهم يحاصرون غرفة الحاج من طلوع الشمس إلى غروبها ، ولا يسمحون له بالقيام بأى عمل من الأعمال دون تدخل منهم واللجوء إليهم ؛ تراهم يجلسون معه فى تناول الإفطار والغداء والعشاء ويدخلونه فى سائر المصروفات والنفقات التى يصيبون منها جزءا ، والويل كل الويل للتركى بسيط الحال الذى يتخذ من المطوف مترجما له فى أية مسألة من المسائل التجارية. كان أول دليل معى من المدينة المنورة ، وكنت أسكن فى منزل هذا المطوف فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان ، وعندما عدت إلى مكة مرة ثانية ، التقيت ذلك المطوف فى الشارع ، وعلى الرغم من أنى كنت بعيدا تماما عن الترحيب به ، إذ كان لدىّ من الأسباب ما يكفى للتشكيك فى أمانته ، فإنه قبلنى واحتضننى وجعل من بيته سكنا لى. فى البداية كان يرافقنى كل يوم فى طوافى حول الكعبة ، للدعاء بالأدعية المخصصة لمثل هذه المناسبة ، هذه الأدعية سرعان ما حفظتها