عن ظهر قلب ، الأمر الذى جعلنى أستغنى عن خدماته فى هذا الشأن. كان الرجل يجلس دوما معى لتناول الغداء ، وكان يحضر معه سلة صغيرة كان يطلب إلى خادمى أن يملأها بالبسكويت واللحم ، والخضروات أو الفاكهة ويأخذها معه عند الانصراف. وكان يطلب منى كل ثلاثة أيام أو أربعة شيئا من النقود : كان يقول لى : «أنت لم تعطنى شيئا ، وإنما الذى أعطانى هو الله سبحانه وتعالى». وعند ما وجدت أنى عاجز عن إيجاد طريقة مناسبة للتخلص من هذا المطوف ، قلت له بمنتهى الصراحة إنى لا أريد بعد شيئا من خدماته ، وتلك لغة لم يعتدها الدليل أو المطوف المكى ، وبعد ثلاثة أيام عاد إلىّ ذلك المطوف وكأن شيئا لم يكن ، وطلب منى دولارا. رددت عليه قائلا : «الله لم يحثنى أو يحركنى كى أعطيك شيئا ، لو كان الله سبحانه وتعالى يجد ذلك حقا ، لرقق قلبى تجاهك ولدفعنى إلى إعطائك حافظة نقودى كلها». قال متعجبا : «أندف ذقنى ، إذا لم يرزقك الله فيما بعد بعشرة أمثال ما ستعطينى إياه حاليا». ورددت عليه أنا بدورى قائلا : «أندف كل شعرة من شعرى إن أعطيتك بارة واحدة دون اقتناع منى بأن الله سيجعلها عملا من أعمال إحسانى». وعند ما سمع المطوف ذلك منى هب واقفا وانصرف وهو يقول : «نحن نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى من قلوب المتكبرين ، ومن أيدى البخلاء والمقترين». هؤلاء المطوفين لا يقولون عشر كلمات دون أن يذكروا اسم الله سبحانه وتعالى أو اسم محمد صلىاللهعليهوسلم ، تراهم دوما ممسكين بالمسابح فى أيديهم ، وتراهم أيضا يتمتمون بالدعاء حتى أثناء الحوار. شخصية المطوف هذه تنطبق على أهل مكة بصفة عامة ، إلى حد أنهم عندما يكونون فى القاهرة يستعملون المثل التالى فى التعبير عن انتهازية الشحاذ البذىء : «أنت مثل المكى ، تقول : «أعطنى ، وأنا سيدك».
كنت بحاجة إلى دليل (مطوف) واضطررت بعد ذلك إلى استخدام رجل مسن من أصل تتارى ، توصلت معه ، منذ البداية ، إلى اتفاق ، كنت راضيا عنه تماما. وصل إجمالى ما دفعته فى مكة للمطوفين ، وفى أماكن الزيارة ما يقرب من ثلاثمائة وخمسين قرشا ، أى ثلاثين دولارا ، لكنى لم أقدم أية هدايا للمسجد أو لأى من العاملين فيه ، لأن