المكيون يضيفون إلى هذه الصفات الحميدة صفة أخرى ، لا بد من ذكرها لهم ؛ المكيون جنس أو عرق متباه ، على الرغم من أن تباهيهم لا يقوم على قيم داخلية ، وهذا التباهى مفضل على العبودية الصارخة التى تتجلى فى سكان الشرق الآخرين ، الذين يسترجعون إذعانهم العبودى لمن هم أعلى منهم ، عن طريق التعالى والتكبر على من هم أقل منهم. المكيون يتباهون بأنهم مواطنى المدينة المقدسة ، وأنهم أبناء بلد النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأنهم حافظوا ، إلى حد ما ، على أخلاقه وسلوكياته ، وأنهم يتكلمون لغته الصافية ، وهم يتفاخرون بأنهم سينعمون بكل المباهج فى الحياة الآخرة التى وعد كل أولئك الذين يعيشون بالقرب من الكعبة (المشرفة) ، ويتباهون أيضا بأنهم أكثر حرية من أولئك الأجانب الذين يجيئون أفواجا إلى المدينة المنورة. والمكيون يكشفون عن ذلك التباهى أمام كبارهم ، الذين لقنوهم أن يتعاملوا معهم بسماحة وحذر وصبر ، يضاف إلى ذلك أن المكيين ينظرون إلى الشعوب الإسلامية كلها على أنها أقل منهم ، وأن إشفاقهم على هذه الشعوب وتأدبهم معها إنما يرجع إلى انخفاض مستوى هذه الشعوب. هذا التباهى والفخر قد يتمخضا عن نتائج كثيرة لا يمكن لأية أمة بدونها ، أن تحتفظ لنفسها بمكانة بين الأمم. هذا التباهى والفخر هو الذى منع شعب (أهل) مكة من الوقوع فى إسار العبودية مثلما حدث لبعض جيرانهم ، هذا الفخر والتباهى لا يستحثهم على فعل أشياء جديرة بالثناء ، فى حين تظهر آثار هذا التباهى فى احتقارهم للأجانب. هذا الاحتقار ، كما سبق أن أوضحت فى الحديث عن جدة ، يتجلى بصفة أساسية تجاه الأتراك ، وفى جهلهم باللغة العربية ، وفى لباسهم وسلوكياتهم ووقاحة تصرفاتهم ووضاعتها عند ما يعجزون عن الحديث كسادة ، هذا الاحتقار للأتراك يتجلى أيضا فى الجبن الذين يكونون عليه عند ما يجرى الهجوم على قافلة الحج وهى فى طريقها عبر الصحراء ، كما يتجلى ذلك الاحتقار أيضا فى قلة الاحترام من جانب حكام مكة للأتراك فى ظل تعاظم قوة الشريف وعدم انكسارها ، الأمر الذى كان يسفر عن التقليل من قدر هؤلاء الأتراك فى نظر العرب ، إلى حد أن الناس فى الحجاز كانوا ينظرون إليهم على أنهم أفضل من غير المسلمين ولكن بقدر ضئيل جدا ، وعلى الرغم من أن كثيرا من المكيين هم من أصل تركى ، فإنهم ينضمون إلى أبناء جلدتهم فى الحط