أى ركن من أركان مكة ، ينظر المكيون إلى ذلك كله باعتباره معجزات حقيقية من عند الله سبحانه وتعالى ، وأن هذه المعجزات تؤكد صدق ما ورد فى المقطوعة القرآنية (المأخوذة من السورة رقم ١٠٦) والتى تقول : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣) (الكعبة) (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤)». لكن المكيين ينسون الرجوع إلى تاريخهم ، الذى يأتى على ذكر كثير من المجاعات المخيفة والمعارك الطاحنة ، التى وقعت فى ذلك المكان المقدس. واقع الأمر أن الحجاز عانى من المجاعات أكثر من أى مكان آخر من البلاد الشرقية. المؤرخون عندهم الكثير من الأوصاف لتلك الأحداث المؤلمة ، وسوف آتى على ذكر واحدة من تلك المجاعات ، وبخاصة تلك التى وقعت فى العام الميلادى ١٦٦٤ ، يروى العصمى أن الناس فى ذلك العام باعوا أطفالهم فى مكة نظير مكيال واحد من القمح ، وأنه عندما كان فى جدة ، كان الناس يتغذون على اللحم البشرى.
حكى لى أحد المكيين ، أنه بعد أن قرر أن يغادر مكة ، نتيجة لعدم وصول الحجاج الأتراك ، ظهر له ملك فى المنام فى الليلة السابقة للرحيل. كان الملك يحمل سيفا مشتعلا فى يده وكان يقف على بوابة مكة ، التى كان الحاكم على وشك المرور خلالها مغادرا المدينة ، وقال الملك متعجبا : «ابق أيها الكافر! سيأكل المكيون عسلا فى حين يرضى بقية أهل الأرض بالخبز وحده!» وتأسيسا على هذه الرؤيا ، تخلى الرجل عن مشروع الرحيل عن المدينة ، وواصل عيشه فيها.
أدب المكيين الظاهرى يتفق مع أمانتهم ، مع عقيدتهم وإيمانهم الصادق ، والتزامهم بدينهم ، واتباعهم لتعاليمه. كثير من أهل مكة ، وبخاصة أولئك الذين ليست لهم مصلحة خاصة فى التطفل على الحجاج عن طريق الالتزام الظاهرى الصارم ، يتراخون فى اتباع الشكليات الدينية ومراعاتها ، اعتقادا منهم أنهم يكفيهم أنهم مكيون ، وأنهم ينادون بمفاهيم الدين على الملأ ، أو من باب أن الفرض الصارم لأحكام الدين على الزائرين الأجانب ليس أمرا ملزما لأولئك الذين يزورون مكة مرة واحدة فى حياتهم. أهل مكة ، شأنهم شأن البدو ، لا يداوم الكثيرون منهم على الصلاة ، أو لا يصلون على الإطلاق. فى صلاة الجمعة ، التى يتعين على كل مسلم مقيم فى مكة أداؤها ، ترى