فصل الربيع من العام ١٨١٣ الميلادى ، وكان مقيما فى الطائف فى ذلك الوقت ، والطائف هو المكان الذى أنشأ فيه محمد على مركز رئاسته الخاص بالجيش ، الذى كان ينتوى استخدامه فى الهجوم على معاقل الوهابيين. كان قد سبق لى مقابلة الباشا مرات عدة فى القاهرة قبل سفرى إلى الوجه القبلى ، وكنت قد أبلغته بهوسى وولعى الشديد بالسفر (وهذا هو منطلق الوصف الذى وصفنى به فى الطائف بعد ذلك). وهنا ينبغى أن أسوق ملاحظة مفادها. ، أنه نظرا لفقر تجار الوجه القبلى بشكل عام ، فلا يرحب أحد منهم بكمبيالة أو صك يفيد السداد الفورى ، فقد تحتم علىّ أثناء مقامى هنا ، ومن باب تسهيل حصولى على المال ، أن طلبت إلى مراسلى فى القاهرة أن يدفع المبلغ الذى طلبته إلى خزانة الباشا ، وأن آخذ منه إذنا مسحوبا على ولده إبراهيم باشا ، الذى كان حاكما على الوجه القبلى فى ذلك الوقت ، بأن يعيد دفع المبلغ إلىّ أنا شخصيا. ونظرا لأنه كانت لى بعض المعاملات المالية مع الباشا فقد خطر ببالى تجديد تلك التعاملات فى الحجاز دون أن أسبب للرجل ضيقا أو حرجا ، وليتنى أفعل ذلك ، خاصة أن محمد على سبق أن أعرب عن رضاه عنى شخصيا وعن اهتماماتى. وبعد أن انتهت الحمى الشديدة وانحسرت ، كتبت رسالة لطبيب الباشا ، وهو أرمينى اسمه بوسارى Bosari ، كان وقتئذ مرافقا لسيده فى الطائف. رجوت ذلك البوسارى أن يضع حالى التعيس أمام الباشا ، وأن يبلغه أن خطابى الائتمانى المسحوب على جدة لم يحظ بالقبول ، وأن يسأل الباشا عما إذا كان مستعدا لقبول كمبيالة له مسحوبة على مراسلى فى القاهرة ، وأن يأمر مسئول خزانته فى جدة بدفع الكمبيالة له إلىّ.
وعلى الرغم من أن الطائف لا تبعد مسير خمسة أيام عن جدة ، فإن حال البلاد لم يكن يسمح إلا نادرا للمسافرين الخصوصيين بعبور الجبال فيما بين مكة
__________________
(**) تعرفت بعد ذلك على ذلك الجيلانى فى مكة ، وما بدر منه أقنعنى بأنى لم أكن مخطئا فى تقييمى له فى مسألة مساعدتى باعتبارى غريبا فى بلده.