الطابع المميز لحكم الحجاز ، أبقى على شكله الظاهرى إلى ما بعد اعتلاء الشريف غالب لسدة الحكم المستبد. لم يجر مراعاة مراسم الحكم ، التى تمثل حدا فاصلا بين الحكام الشرقيين ونوابهم من ناحية ، وبينهم وبين الشعب من ناحية أخرى. هذا يعنى أن بلاط الشريف كان صغير العدد ، وخاليا من العظمة والأبهة. لم يكن لقب ذلك الحاكم سلطانا أو سلطانا شريفا ، أو حتى «منشئ» على حد قول على بك العباسى. كان رعاياه يستخدمون لقب «سيدنا» ، فى حوارهم معه ، أو قد يقولون له «سادتكم» ، وهو اللقب الذى يعطى للباشوات جميعهم. هذا يعنى أن المسافة بين الرعايا والحاكم لم تكن كبيرة ، بحيث تحول بين الرعايا ، فى حالة الحاجة ، وبين تعبيرهم عن أحزانهم الشخصية ، ويطالبون مطالبة جريئة بالإصلاح ، فى إطار لغة وأسلوب مؤدبين.
الشريف الحالى ليس لديه هيئة كبيرة من القوات النظامية ، لكنه كان يستدعى أعوانه من بين الأشراف ، وأتباعهم ، إذا ما احتدم الأمر ودقت أجراس الحرب. هؤلاء الأشراف كان يجرى ربطهم بشخص الشريف غالب ، وذلك عن طريق احترامه لمنزلتهم ونفوذهم ، هؤلاء الأشراف بدورهم كانوا يبادلون الرجل المعاملة نفسها إذ كانوا ينظرون إليه باعتباره الأول بين المتساويين والأنداد.
مسألة سرد تاريخ للأحداث التى وقعت فى مكة اعتبارا من الفترة التى توقف عندها المؤرخون العرب (حوالى منتصف القرن السابع عشر على حد تقديرى) ، سوف تتحول إلى عمل مضن ؛ إذ يتطلب الأمر استخلاص تلك الأحداث من بين الروايات الشفهية ، هذا البلد ليس فيه أحد ، ممن يفكرون فى تدوين الأحداث التى وقعت فى أزمانهم ، يزاد على ذلك أن الظروف التى زرت البلد فى ظلها ، كان يمكن أن تحول بينى وبين الحصول على المعلومات الوافية والدقيقة عن الوضع السياسى لهذه البلاد ، حتى وإن توفر لى الوقت اللازم لذلك ، نظرا لأن التحريات والاستقصاءات التى من هذا القبيل ربما تضطرنى إلى الاختلاط بالناس ، وبخاصة أصحاب المناصب والمقامات ، والاختلاط أيضا بأهل الحل والربط ، وهذه الطبقة من المجتمع هى التى حاولت جاهدا