أبلغنى القاضى نفسه ، أن الباب العالى ، وهو يقدر الموقف منذ سنوات مضت ، رأى أن يدفع كل عام لقاضى مكة ، من خزانته ما قيمته مائة كيس (صرة). بعد الغزو الذى قام به محمد على باشا بدأ القاضى يستعيد أهميته ، مواكبا بذلك انحسار نفوذ الشريف. عندما كنت فى مكة ، كانت القضايا كلها يجرى البت فيها فى المحاكم. لم يحدث أن تدخل محمد على فى عمل المحاكم ، مستهدفا بذلك اكتساب رضا العرب ، ويبدو أن القاضى نفسه تلقى من محمد على باشا أوامر تقضى بتوخى الحذر فى العمل ، الأمر الذى أدى إلى إقامة العدل فى ذلك الوقت ، قياسا على المحاكم الأخرى فى أضعف الأحوال ، يزاد على ذلك أن السكان لم يكونوا معارضين للنظام الجديد. قاضى مكة هو الذى يعين شاغلى المناصب القضائية فى كل من جدة والطائف ، وهؤلاء المعينين يكونون من العرب وليسوا من الأتراك. يضاف إلى ذلك أن أئمة المذاهب الأربعة لهم رأيهم أيضا فى القضايا الشرعية المهمة.
يأتى دخل الشريف بصفة خاصة من الرسوم الجمركية التى يجرى تحصيلها فى جدة ، هذه الرسوم ، كما سبق أن أوضحت لا يجرى اقتسامها ، بناء على أوامر الحكومة ، بين الشريف وباشا جدة. زد على ذلك أن جمارك جدة التى تتساوى وتتفق مع الجمارك فى سائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية ، قام الشريف غالب بزيادتها زيادة كبيرة ، لتصبح بذلك السبب الرئيسى وراء معارضة التجار لذلك الرجل. استأثر محمد على باشا لنفسه بجزء كبير من التجارة. كانت هناك ثمانى سفن من طراز الدهو ، تابعة لمحمد على باشا وتعمل فى تجارة البن بصورة مستمرة بين اليمن ، وجدة ، ومصر ، وعندما كان سوق البن يصاب بالكساد كان محمد على يجبر التجار على شراء شحناته نقدا بسعر السوق ، لكى يسارع بإرسال دولاراته إلى اليمن. قامت سفينتان من كبريات سفنه (إحداهما إنجليزية الصنع جرى شراؤها من بومباى ، وحمولتها أربعمائة طن) برحلة إلى جزر الهند الشرقية وكانت هذه الرحلة تتكرر كل عام ، وكان يجرى بيع حمولات هاتين السفينتين إما للحجاج فى مكة ، أو تقسيم تلك الحمولات بين تجار جدة الذين كانوا يجبرون على شراء هذه البضائع.