بين الحين والآخر ، ويكون مستقلا تماما عن الحكام ، يمكن أن يمنعوا الحكام من ممارسة أى نفوذ لا لزوم له على المحاكم ، ويصبح بوسعهم أيضا تحاشى الأحكام التى يمكن أن تترتب على بقاء قاض فى منصبه فترة من الزمن. لكن السلوكيات فى الإمبراطورية تغيرت وتباينت عما كانت عليه قبل ثلاثة قرون من الزمن. القاضى حاليا ، فى أية مدينة من المدن يكون تحت نفوذ الحاكم مباشرة وسيطرته ، هذا الحاكم يستبد كما يشاء ، شريطة أن يرسل الإعانات التى يتحتم إرسالها إلى الباب العالى ، أو يدفع رشوة للقاضى ، الذى يتقاسمها مع الحاكم ، أو قد يتغاضى عنها الحاكم مقابل أن يراعى القاضى مصالح الحاكم فى بعض القضايا الأخرى. وقد ارتفعت أيضا رسوم التقاضى ارتفاعا كبيرا ، ووصلت إلى حد الربع من المبلغ محل التقاضى ، هذا فى الوقت الذى تتغاضى فيه المحكمة عن أوضح الحقوق وأجلاها ، إن لم يكن ذلك مدعوما بهبات كثيرة وكبيرة للقاضى من ناحية ، ولمجموعة الموظفين والخدم المحيطين به من الناحية الأخرى. هذه الاضطرابات على مرأى ومسمع من الباب العالى ، هذا يعنى أن منصب القاضى كان يباع لأعلى سعر ، من باب أن القاضى يعرف أنه سيعوض ما دفعه من خلال الأجور الإضافية التى ستحصل عليها إدارته.
فى تلك البلدان التى يتدافع العرب فيها على المحكمة ، نجد أن القاضى ، الذى جرت العادة ألا يعرف سوى القليل جدا من اللغة العربية ، يكون بين يدى مترجمه ، والمترجم هذا وظيفته دائمة ، وهو الذى يعرف كل قاض من القضاة الجدد بأساليب الرشوة السائدة فى المكان ، ويحصل لنفسه على نصيب وافر من حصاد هذه العملية. هذه المظالم السافرة والرشوة المخزية ، التى تحدث فى المحاكم وقاعات العدل كل يوم قد تبدو للأوروبى بصفة عامة والإنجليزى بصفة خاصة أمورا لا يصدقها العقل.
بذلك يكون قاضى مكة قد لقى مصير إخوانه القضاة فى سائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية ، عندما أصبح خاضعا لنفوذ الشريف ، الذى أصبحت القضايا كلها تقدم إلى محكمته ، مما أدى إلى تزجية وقته فى أشياء وأمور لا نفع منها. لقد