كانوا قد رسموا لى شخصية جذابة عند ما كنت فى القاهرة ، ومن ثم فإنه لن يخامره الشك فى قدرتى على الوفاء بالدين ، أو احترامى الذى تأكد منه بعد أن قرأ خطاب الائتمان الذى أحضرته معى. ولما كانت مسألة تقدمى للباشا فى الطائف أمرا غير مؤكد ، فقد حدا ذلك بى على قبول عرض يحيى أفندى ، وعلى الفور جرى دفع المبلغ لى مباشرة وجرى سحب الإذن ، بعد ذلك بأيام قلائل رحل صديقى العزيز بصحبة طوسون باشا إلى المدينة المنورة ، حيث سعدت بلقائه هناك للمرة الثانية فى مطلع العام التالى.
أصبح بحوزتى عندئذ مبلغ من المال لدرء كل مخاوفى من الفقر قبل أن تصل إلىّ إمدادات مالية جديدة من القاهرة (مصر) ، بغض النظر عن مطالبى من الباشا ، لكن المؤسف أن يحيى أفندى كان موجودا ، ومع ذلك وصلنى رد على الرسالة التى سبق أن أرسلتها إلى الطائف. يبدو أن بوسارى ، لم يكن يرغب فى إعلام الباشا بمطلبى ، وربما كان بوسارى خائفا مما يمكن أن يلحق بى لو أنى لم أوف بما وعدت به. كان الباشا قد علم قبل ذلك بوجودى فى جدة ، وقد جاء ذلك العلم عن طريق شخص ثالث كان ضمن حاشية الباشا ، وكنت قد التقيت به فى جدة ، ثم حضر بعد ذلك إلى الطائف ، وعند ما علم الرجل أنى أتجول فى أسمال مهلهلة ، قام على الفور بإيفاد مراسل ومعه جملين إلى محصل الجمارك فى جدة ، المدعو سيد على أو جقلى ، والذى كان يتولى إدارة شئون المدينة كلها ، وطلب إليه تزويدى بطاقم من الملابس وكيس نقود يحتوى على خمسمائة قرش على سبيل بدل سفر ، وطلب منه ضرورة عودتى على الفور إلى الطائف بصحبة المراسل نفسه الذى حمل إليه الرسالة.
الدعوة الموجهة من باشا تركى تعد أمرا مهذبا. وعليه ، ومهما كان ترددى فى الذهاب إلى الطائف فى ذلك الوقت ، لم يكن أمامى خيار سوى الالتزام بما يريده الباشا بدلا من القرض ، ولم يكن بوسعى رفض الملابس والنقود دون الإساءة إلى كبرياء الرئيس واستثارة غضبه ، وبخاصة أنى كنت فى ذلك الوقت فى مسيس الحاجة