إلى الحصول على نعمه ورضاه (*). وأنا أفهم معنى الحاشية ، على الرغم من أن سيد على لم يكن على علم بفحوى تلك الحاشية ، ولكنى فى هذا المسألة قررت أن أكون ندا للباشا ورجاله.
نظرا لأن الدعوة كانت أمرا ملحا وعاجلا ، فقد اضطررت إلى مغادرة جدة فى مساء اليوم الذى وصل فيه المراسل إليها ، وذلك بعد تناول العشاء مع سيد على ، بصحبة عدد كبير من الحجاج الذين جاءوا من سائر أنحاء العالم ؛ وكان شهر رمضان قد دخل بالفعل والناس هذا يكشفون فى شهر رمضان عن أقصى ما لديهم من كرم ضيافة ، وبخاصة فى مائدة الإفطار بعد غروب الشمس. ولما كنت أتشكك فى بعض نوايا الباشا ، فقد ارتأيت أن أحمل معى إلى الطائف كيسا مليئا بالنقود. من هنا ، كنت قد غيرت ثلاثة الآلاف قرش التى أخذتها من يحيى أفندى إلى ذهب ، ووضعت قطع الذهب فى حافظة حزامى. الشخص عند ما يكون لديه المال لا يخشى من وجوده بين العثمانيين ، اللهم باستثناء خسارة مثل هذه النقود أو ضياعها ، لكن خطر ببالى أنى قد أكون بحاجة إلى ما معى من مال ، لدفعه على سبيل الرشوة أو لتسهيل رحيلى عن الطائف. ومع ذلك كنت مخطئا فى هذين الزعمين.
__________________
(*) يرى بعض الناس أن قبول الهدايا من الباشوات إنما هو نوع من التشريف ، ولكنى أنظر إلى هذا الأمر نظرة مختلفة ، أنا أعرف أن الهدف الحقيقى لأى تركى من الأتراك من وراء تقديم الهدايا هو إما الحصول على ضعف هذه الهدية (وهذا لم يكن حالى) أو إشباع فخره وتباهيه أمام حاشيته بالكرم والسخاء مع شخص ينظر هو إليه باعتباره أدنى منه كثيرا من حيث المكانة أو القيمة. وأنا بنفسى شاهدت بعينىّ نظرات ذلك المعطى ونظرات أفراد شعبه فى مثل هذه الظروف ، بل إنهم يعبرون عن مشاعرهم فى مثل هذه المناسبات بقولهم «انظر لقد رمى بكسرة خبز إلى ذلك الكلب!» قد لا يتفق معى فى ذلك سوى قلة قليلة من الأوروبيين ، لكن معرفتى تسمح لى بتقديم هذا الرأى ، والنصيحة الوحيدة التى يمكن تقديمها هنا للرحالة الذين لا يريدون الحط من قدرهم أمام أعين الأتراك ، هى أن يكونوا دائما مستعدين وفى المناسبات التى من هذا القبيل لإعادة الجميل المقدم مضاعفا. وفيما يتعلق بى شخصيا ، لم تتح لى فرصة تقديم الهدايا إلا نادرا خلال أسفارى ، وكانت تلك الهدية الوحيدة التى أجبرت على قبولها.