اعتلال صحة الناس فى جدة ربما يكون راجعا إلى الماء. ونظرا لأن جدة تحمل اسم إحدى القلاع التركية ، فنحن يحق لنا القول إن الآبار كانت تجرى حمايتها بقلعة من القلاع ، لكن الأتراك أهملوا هذا التحوط ، وعند ما خشى الناس فى شهر ديسمبر عام ١٨١٤ م. تقدم الوهابيين على جانب بلدة القنفذة ، سارع حاكم جدة بملء خزانات المياه التابعة للمنازل الحكومية بمياه الآبار ، ومنع استعمال السكان لتلك الضرورة من ضروريات الحياة أياما عدة ؛ نظرا لأن الرجل كان يستخدم إبل جلب الماء كلها لمصلحته هو. عدد كبير من تلك الآبار يدخل فى إطار الملكية الخاصة وتعود على أصحابها بدخول كبيرة.
جدة بلد بلا حدائق أو حياة نباتية من أى نوع كان ، اللهم إلا باستثناء بعض النخيل الذى يجاور مسجدا من المساجد. وحتى خارج المدينة ترى الأرض كلها جرداء تغطيها قشرة ملحية من ناحية شاطئ البحر ، وعلى المستوى الأعلى من ذلك تجد رمالا ، هنا فى هذه الرمال توجد بعض الشجيرات وبعض أشجار السنط المنخفضة. تتزايد أعداد الآبار حول المدينة ، والماء الذى يجلب منها يستخدم فى أغراض الرى ، لكن سكان جدة يعدون إقامتهم فى البلد مسألة مؤقتة ، وهم مثل سائر سكان الحجاز ، يكرسون كل اهتماماتهم للتجارة وجمع الثروات. وهم من هذا المنطلق لا يميلون إلى الترويح أو العمل بالمهن الريفية أكثر من أية سلالة أخرى من سلالات المسلمين الذين سبق أن عرفتهم.
فيما وراء باب مكة وبالقرب من المدينة ، توجد أكواخ عدة يمر فى وسطها الطريق المؤدى إلى مكة. هذه الأكواخ يسكنها الجمالة الذين يتنقلون فى عملهم ما بين مكة وجدة ، ويسكن هذه الأكواخ أيضا البدو الفقراء الذين يتعيشون من جمع الحطب من مسافات بعيدة فى الجبال ، كما يسكنها أيضا الحجاج الزنوج الذين يتعيشون من هذه المهنة نفسها أثناء مقامهم فى جدة. فى هذا المكان ينعقد سوق الماشية الحية والخشب والفحم النباتى والفواكه والخضراوات ، وكل ذلك يباع بالجملة لا بالقطعة. البن أيضا يباع هنا فى دكاكين صغيرة ، لا يتردد الناس عليها إلا لفترة