قصيرة فى ساعة مبكرة من النهار ، والذين يترددون على هذه الدكاكين التى تبيع البن هم الطبقة المتدنية من التجار ، الذين يجيئون إلى هنا لتصيد الأخبار القادمة من مكة ، التى يحملها البريد كل صباح بعد شروق الشمس مباشرة. بعد هذه الأكواخ بميل واحد ، وفى الناحية الشرقية من المدينة ، يوجد مدفن جدة الرئيسى الذى يضم مقابر شيوخ متعددين ، لكن هناك جبانات صغيرة محاطة بأسوار. وعلى بعد مسافة ميلين شمالى جدة يوجد قبر جدتنا حواء أم البشر ، القبر على حد ما قيل لى عبارة عن حفرة فى الحجر طولها حوالى أربعة أقدام ، وارتفاعها حوالى قدمين أو ثلاثة أقدام ، وعرضها حوالى قدمين أو ثلاثة أقدام أيضا ، وبذلك يكون قبر حواء شبيها بقبر نوح الذى شاهدته فى سهل البقاع فى سوريا.
أثناء سيطرة الوهابيين على جدة كانت المدينة تمر بمرحلة تدهور ؛ فقد تحولت بنايات كثيرة فيها إلى خرائب ، ولم يبن أحد منزلا جديدا واحدا ، وكسدت التجارة فى ضوء توقف مجىء الحجاج من تركيا ، وعزوف التجار عن إحضار بضاعتهم لبيعها فى جدة. وبعد تعافى المدينتين المقدستين ، وبعد استعادة مواكب الحج ووصول الجنود يوميا إلى المدينة ، وبعد عودة بعض التجار وأفراد الجيش ، أدى ذلك إلى الإسراع فى استعادة مدينة جدة لحالها الذى كانت عليه من قبل. ويقدر عدد سكان جدة بحوالى اثنى عشر ألفا أو خمسة عشر ألفا فى الأشهر السابقة للحج ، ثم بعد ذلك فى شهور الصيف التى تصادف موسم الرياح الموسمية ، يحدث تدفق وتدافع من الأغراب على المدينة ، الأمر الذى يجعل العدد يزداد ليبلغ ما بين ثمانية عشر ألفا ، واثنين وعشرين ألفا ونصف الألف.
سكان جدة شأنهم شأن سكان كل من مكة [المكرمة] والمدينة [المنورة] يكادون يكونون جميعا من الأجانب. هذا يعنى أن أحفاد العرب القدامى الذين سكنوا هذه المدينة ، قد اندثروا على أيدى الحكام ، أو أنهم عادوا إلى بلدانهم ومناطقهم. هؤلاء الذين يمكن وصفهم بأنهم وطنيون قلة قليلة من عائلات الأشراف ، وكلهم من أصحاب العلم ، ومرتبطون بالمساجد أو المحاكم ، الجداويون الآخرون جميعهم من الأجانب