هذا الخليط من الأعراق فى جدة ناتج عن الحج الذى يقوم خلاله التجار الأثرياء بزيارة الحجاز ومعهم صفقات كبيرة من البضاعة. بعض هؤلاء التجار يعجزون عن التعجيل بتحصيل مديونياتهم وتسوية حساباتهم ، مما يضطرهم إلى البقاء عاما آخر ، خلال هذه الفترة يسكن هؤلاء ، حسب تقاليد البلاد وأعرافها ، مع بعض الإماء الحبشيات اللاتى سرعان ما يتزوجونهن ، وعند ما يجد هؤلاء التجار أنفسهم بصحبة أسرة يقتنعون بالبقاء فى جدة والإقامة فيها. وبذلك نجد أن كل موسم من مواسم الحج يضيف أعدادا جديدة إلى السكان لا فى جدة وحدها ، وإنما فى مكة أيضا ، وهذا أمر ضرورى نظرا لأن معدل الوفاة فى المدينتين أعلى بكثير من معدل المواليد.
أهل جدة يكادون يكونون جميعا يعملون بالتجارة ، ولا يمارسون أى نوع من الصناعات أو الحرف اللهم إلا باستثناء الأشياء الملحة من تلك الصناعات أو الحرف.أهل جدة جميعا على وجه التحديد إما يعملون فى البحر ، أو فى حرف البحر ، أو يعملون فى حركة النقل فقط بالسفن مع الجزيرة العربية. وجدة تستمد أهميتها لا من كونها ميناء لمكة [المكرمة] ، وإنما لأنها ميناء لمصر ، أو الهند ، أو الجزيرة العربية كلها ؛ فكل صادرات هذه الدولة المتجهة إلى مصر تمر أول ما تمر من خلال أيدى تجار جدة. من هنا نجد أن جدة أغنى من أى مدينة مماثلة لها فى الممتلكات التركية. الاسم العربى لجدة معناه «الثراء أو الغنى» ، وبذلك فهو اسم على مسمى بحق. وأهم تاجرين فى جدة هما : الجيلانى والسكّات ، وهما من أصل مغربى (*) ، وقد استقر جداهما هنا فى جدة ، ومعروف أنهما يمتلكان ما يتردد بين مائة وخمسين ألف جنيه إنجليزى ومائتى ألف. هناك عديد من الهنود الذين جمعوا رءوس أموال مساوية لتلك التى سبقت الإشارة إليها ، وهناك ما يزيد على اثنى عشر منزلا (بيتا) يمتلك كل واحد من أصحاب هذه البيوت ما يتردد بين أربعين ألف جنيه إنجليزى وخمسين ألفا. تجارة الجملة تجرى هنا بسهولة ويسر وتحقق أرباحا كبيرة ، ويقل
__________________
(*) مغربيين ، بمعنى «سكان الغرب» ، وهذا الاسم يطلقه عرب الشرق على مواطنى دول الباربارى.