فيها الغش والخداع عن أى مكان آخر من أماكن الليفانت التى سبق أن قمت بزيارتها ؛ والسبب الرئيسى وراء كل ذلك هو أن الصفقات كلها يجرى دفع أثمانها نقدا ، وأن نسبة الفائدة قد تكون معدومة أو قليلة جدا. ويجب عدم تفسير ذلك على أنه راجع إلى شخصية التجار المشهورين بفساد ذممهم وثرواتهم الكبيرة ، ومع ذلك فإن طبيعة التجارة ، والعادات الثابتة المتأصلة ، كل ذلك هو الذى يجعل التجارة هنا أقل متاعب وتآمرا عنها فى أى بلد آخر من بلدان الشرق.
يمكن تقسيم تجارة جدة إلى فرعين رئيسيين هما : تجارة البن ، والتجارة الهندية ، وتجارة مصر لها علاقة بهذين الفرعين. السفن المحملة بالبن تأتى من اليمن على مدار العام دون الالتزام بفصل بعينه ، وطوال الرحلة تحاول تلك السفن الإبحار بالقرب من الساحل ، حتى تتمكن من الاستفادة من ميزة نسيم البر خلال الموسم الذى تسود فيه الرياح الشمالية ، التى تجعل الإبحار فى منتصف المجرى أمرا صعبا. هذه السفن تتخلص من حمولتها نظير مبالغ من الدولارات ، التى هى بمثابة السلعة الوحيدة التى يأخذها التجار اليمنيون مقابل ذلك البن. تجارة البن هذه تتعرض لتقلبات كثيرة ، ويمكن اعتبارها شكلا من أشكال اليانصيب الذى لا يقبل عليه سوى هؤلاء الذين لديهم رءوس أموال كبيرة تحت تصرفهم ، والذين يقوون على تحمل الخسائر الكبيرة بين الحين والآخر. كما كانت أسعار البن فى جدة يجرى تحديدها ، بناء على توجيهات ونصائح من القاهرة ، فإن هذا السعر يتباين مع وصول السفن التى تجىء من السويس. أسعار البن فى السويس تعتمد على طلب بن المخا فى تركيا ، وبذلك يكون ذلك السعر متقلبا أيضا. عند ما وصلت إلى جدة كانت أسعار البن خمسة وثلاثين دولارا للوزنة التى مقدارها مائة ثقل ، وبعد ذلك بثلاثة أسابيع انخفضت أسعار البن إلى أربع وعشرين دولارا ، تأسيسا على معاهدة السلام بين إنجلترا وأمريكا ، وعلى إثر توقع استيراد البن من غربى الهند بكميات كبيرة فى كل من سمرناSmyrna وإسطنبول. الطبيعة الخطرة لتجارة البن تحتم وجود كثير من التجار الذين لا يورطون أنفسهم فيها ، اللهم إلا إذا كانوا يقومون بدور العملاء الوكلاء