المحترمون لا يشاهدهم أحد مطلقا على المقهى ، ولكن أفراد الطبقة الثالثة ، هم والبحارة يجعلون من المقهى ملاذهم الدائم. كل إنسان هنا له منزله الخاص الذى يلتقى فيه كل أولئك الذين تربطه بهم صلة مال أو أعمال ، والعربى الذى لا يقوى على مصاريف عزومة صديقه على الغذاء يدعوه إلى القهوة عند ما يمر عليه ، ليدخل ويتناول معه كوبا من القهوة ، ويحزن حزنا شديدا إذا ما رفض صديقه الدعوة. وعند ما يدخل الصديق يطلب إلى النادل إحضار كوب وعند ما يحضر الكوب ، يتعجب بصوت عال حتى يسمعه الحاضرون كلهم وهو يقول جدا! (شكرا). هذا الرجل قد يغش دائنيه ، أو قد يتّهم بحلف يمين باطلة فى معاملاته ، ومع ذلك يهرب من انتقاد عامة الناس له ، لكن مثل هذا الرجل يمكن أن يشعر بالخزى إذا ما اتضح أنه يحاول مغالطة النادل فى حساب المقهى. بذل الجنود الأتراك قصارى جهدهم فى هذا الاتجاه ليزيدوا من احتقار العرب لهم ، وأنا لم يحدث أن رأيت فى مقهى من المقاهى أى أحد من الشعراء الشعبيين الذين يكثر وجودهم فى مصر ، ويزيد وجودهم أكثر وأكثر فى سوريا. المنقلة يجرى لعبها فى المقاهى كلها ، وكذلك لعبة الدامة ، وهى تختلف عن اللعبة الأوروبية الشبيهة بها ، لكنى لم يحدث أن شاهدت مطلقا أحدا يلعب الشطرنج فى الحجاز على الرغم من أنى سمعت أنه يشيع لعبه بين الناس ، وأن الأشراف متيمون به بصفة خاصة.
يوجد بالقرب من كل مقهى من المقاهى تقريبا شخص يقف أمام طاولة ، يبيع ماء باردا فى جرار صغيرة معطرة (*).
يوجد فى المدينة أيضا واحد وعشرون بائعا يبيعون الزبد ، كما يبيعون العسل والزيت والخل على مستوى التجزئة. يشكل الزبد مادة رئيسية فى المطبخ العربى ، الذى يعد أكثر دسما من المطبخ الإيطالى ، الزبد الطازج الذى يطلق العرب عليه اسم زبدة ،
__________________
(*) من عادة الشرقيين أن يشربوا الماء قبل القهوة وليس بعدها مباشرة. ولقد عرفنى الناس ذات مرة عندما كنت فى سوريا على أنى أجنبى أو أوروبى ، بعد أن طلبت شيئا من الماء عقب شرب القهوة مباشرة ، قال النادل : لو كنت من أهل هذا البلد لما أضعت مذاق القهوة من فمك عن طريق محوه بشرب الماء.