مصانع أوروبية ، قد توجد الحوالات والكمبيالات ، لكنها ليست شائعة بين المواطنين الذين لم يألفوا سوى التنازلات.
يزاد على ذلك أن الإجراء الذى يتخذه كل من التجار المسلمين ، والتجار المسيحيين ، وكذلك التجار اليهود والذى يقضى بعدم سحب أى رصيد مطلقا من رأس المال ، يعد سببا آخر من الأسباب التى لا تجعل التركيز على تفاصيل إمساك الدفاتر أمرا ضروريا كما هو الحال فى أوروبا. ولما كان البدوى لا يحصى مطلقا خيام قبيلته ، أو عدد أغنامه ، وكما أن الرئيس العسكرى لا يحصى عدد جنوده ، وكما أن الحاكم لا يقوم باحصاء سكان مدينته ، فإن التاجر بدوره لا يحاول مطلقا التأكد من المقدار الصحيح لثروته ، كل ما يتطلع إليه مثل هذا التاجر هو تقدير تقريبى لتلك الثروة أو الممتلكات ، وهذا ناتج عن اعتقاد مفاده أن إحصاء الثروة يعد مظهرا من مظاهر المباهاة ، وأن الله يعاقب من يفعل ذلك بإنقاص تلك الثروة.
يندر أن يدخل الشرقى فى مضاربات خطرة ، ولكنه يقصر تعاملاته على حدود رأسماله. مسألة الحصول على ائتمانات كبيرة لا تتم إلا بعد كثير من المصاعب ، وسبب ذلك أن أمور الأفراد هنا تكاد تكون معروفة للناس كلهم ، وذلك على العكس من أوروبا. هذا يعنى أن مسألة الفشل فى رد الائتمان يعد أمرا نادرا ، وعندما يصاب تاجر بالحرج نتيجة الفشل فى المضاربة ، أو نتيجة الخسائر الحتمية ، نجد أن دائنيه يمتنعون عن الضغط عليه أو مطالبته ، ويجرى سداد ديونهم بعد سنوات بما يحول بين الرجل وبين النتائج المترتبة على الإفلاس.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن التجار الشرقيين معرضون ، من ناحية أخرى ، لإلصاق تهمة الشك فى مدفوعاتهم بهم ، وبخاصة تلك المدفوعات التى يسددها هؤلاء التجار بعد فوات أوانها. زد على ذلك أن التجار المحترمين لا يترددون فى تأخير سداد ديونهم عدة أشهر ، ويمكن القول إن تلك قاعدة سارية فى مصر وسوريا ، أن الديون المحددة المواعيد لا يجرى سدادها إلا بعد ما يقرب من ضعف الموعد المحدد ، لكن هذا التصرف ـ على حد قول العارفين هنا ـ لم يحدث إلا خلال السنوات العشرين الأخيرة