السهل ، توقفنا بعد عشر ساعات من جدة ، فى منطقة الهدا ، التى هى سوق مثل السوق السابقة. فيما بين بحرة والهدا ، وعلى تلّة منعزلة فى السهل ، توجد أنقاض بعد التحصينات القديمة.
اليوم الخامس والعشرون من شهر أغسطس ، هذه هى القافلة القادمة من جدة إلى مكة تنال قسطا من الراحة أثناء النهار فى بحرة أو فى الهدا ، وبذلك تتصرف تصرف عرب الحجاز الذين لا يسافرون إلا أثناء الليل. هذا يجرى صيفا وشتاء ، لا من أجل تجنب الحرارة ، وإنما لتهيئة الفرصة للإبل كى ترعى بعض الوقت ، نظرا لأن الإبل لا تأكل أثناء الليل. هذه المسيرات الليلية لا تناسب مطلقا أبحاث الرحال ، الذى يعبر البلاد فى وقت لا يستطيع فيه ملاحظة الأشياء ، وأثناء النهار يكون الإرهاق والرغبة فى النوم سببين كافيين للحيلولة دون العمل.
حططنا رحالنا فى الهدا تحت تعريشة واسعة من كهوف القهوة ، حيث وجدت جماعة متباينة من الأتراك والعرب فى طريقهم إما من مكة وإما إليها ، كان كل واحد من هذه الجماعة ممددا على سجادته الصغيرة. كان بعض التجار قد أحضروا من الطائف سلة من العنب ، وعلى الرغم من أنى كنت لا أزال استشعر الضعف من الحمى التى أصابتنى ، فإننى لم أستطع مقاومة الإغراء ، وأمسكت بقليل من حبات العنب نظرا لأن السلة ما إن فتحت حتى انهالت عليها الجماعة كلها ، وسرعان ما التهموا السلة كلها ، وجرى بعد ذلك دفع الثمن لصاحب العنب. الهدا هى ميقات الجداويين الذين ينوون الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج ، هذا يعنى أنهم يرتدون ملابس الإحرام فى الهدا. الشريعة الإسلامية تحتم على كل من يذهب للحج ارتداء ملابس الإحرام ، بغض النظر عن منزلته أو مكانته بين الناس ، وهذا يعنى أيضا أن من يدخل تلك المدينة المقدسة لا بد أن يكون مرتديا ملابس الإحرام ، سواء أكان قادما للحج أم لأى غرض آخر (*) ، ولا يمكن التحرر من ملابس الإحرام إلا بعد زيارة المسجد الحرام. كثير من
__________________
(*) الإحرام فرض على الحاج والمعتمر فقط. (المراجع)