الناس ينتهكون هذا الشرط ، لكن المكى الأصيل لا يمكن أن يذهب إلى جدة دون أن يحمل معه ملابس الإحرام ، وعند عودته من جدة يرتدى ملابس الإحرام فى الميقات المحدد. فى فترة العصر يقوم بعض الجنود الأتراك بارتداء ملابس الإحرام طبقا للطقوس سالفة الذكر ، التى تتمثل فى أداء الحاج ركعتين ، ثم التلبية ، ونظرا لأن الوقت وقت حرب ، فقد واصل الجنود حمل أسلحتهم وهم يرتدون ملابس الإحرام.
فى فترة العصر قام صاحب المقهى بتخزين المؤن التى أحضرتها معى ، والمؤن الخاصة بباقى أفراد الجماعة. حدث اضطراب كبير فى سائر أنحاء المكان ، ولم يحاول أحد منا أن ينام. عقب وصولنا مباشرة مرت على المكان جماعة من الجنود ، نصبوا خيامهم على مسافة بعيدة عنا فى السهل ، دخل هؤلاء الجنود المقاهى وأخذوا الماء العذب كله الذى جرى جلبه من بئر تبعد مسير حوالى نصف ساعة ، وجرى الاحتفاظ به فى الهدا فى جرار كبيرة. أكواخ هذا العدد الصغير من السكان البائسين ، والمعرضين لكل أنواع الخسائر والإصابات التى تترتب على الحركة الدائمة للقوات ، هذه الأكواخ يجرى بناؤها باستعمال أخشاب الأراك ، على شكل مخروط ، ولا يدخلها الضوء إلا من خلال مداخلها ، فى هذا المدخل تتكدس الأسرة كلها فى غرفة واحدة. هذه المقاهى الكوخية المتعددة عبارة عن حظائر فسيحة ، محمولة على أعمدة ، فى حين يوجد وجار القهوة فى جانب من أجناب ذلك الكوخ. هذه الأكواخ عامرة بأعداد كبيرة من الفئران التى لم أر أكثر جرأة منها فى حياتى كلها.
غادرنا الهدا عند الساعة الخامسة مساء على وجه التقريب ، واصلنا مسيرنا فى طريقنا عبر السهل ، حيث التربة رملية ومختلطة بالطين فى أجزاء أخرى ، ويسهل زراعتها عن طريق حفر الآبار. بعد مسير ساعة من الهدا شاهدنا على يسارنا فى السهل بعض النخيل ، هنا ، على حد فهمى ، ينساب نهر صغير كان يروى بعض الحقول فى الزمن القديم ، الأشجار هنا مهملة فى الوقت الراهن. تركنا السهل وانحرفنا عن مسارنا قليلا نحو الجنوب متجهين شرقا ، لندخل من جديد منطقة من