دام ساعة ونصف الساعة دخلنا الحى الشرقى من مدينة مكة ، بالقرب من قصر الشريف غالب (المرقوم ٥٠ فى المخطط الملحق بهذا الكتاب). القسم الأكبر من مدينة مكة يقع على يميننا وهو مخبأ فى بعض أجزائه ، بواسطة انحناءات الوادى. ونظرا لأنى كنت أعلم بحتمية عودتى إلى مكة لم ألح على مرشدى فى السماح لى برؤية منظر المدينة بكاملها ، لأن ذلك كان سيحتم علينا الرجوع إلى الوراء مسافة حوالى ميلين فى الاتجاه العكسى ، وهنا تغلبت على فضولى ورحت أتبع المرشد وأنا أردد الدعاء والتكبير اللذين يرددهما كل من يدخل مكة.
تنقلت بعد ذلك مرات عدة بين جدة ومكة فى الاتجاهين. معدل سير القافلة هنا بطىء جدا ؛ إذ لا يمكن أن يتعدى ميلين فى الساعة الواحدة ، ولقد قطعت المسافة من مكة إلى جدة على ظهر حمار فى ثلاث عشرة ساعة. هذه الرحلة تقدر بحوالى ست عشرة ساعة أو سبع عشرة ساعة من المشى ، أو بما يقرب من خمسة وخمسين ميلا ، والطريق ينحرف قليلا عن الاتجاه الشمالى الشرقى.
عندما تحولنا إلى جهة اليسار ، مررنا على مسافة قصيرة ، بثكنات كبيرة للجنود التابعين للشريف غالب ، وفى ضاحية المعابدة نزلنا أمام منزل أحد الأعراب ، تصادف أن كان مرشدى يعرفه. كنا فى ذلك الوقت فى شهر رمضان ، لكن الشرع يعفى المسافر من الصيام. قامت ربة البيت التى كان زوجها غائبا عن المنزل بتقديم إفطار لنا ، دفعنا لها ثمنه ، وبقينا فى المنزل إلى ما بعد الظهر ، ثم ركبنا بعد ذلك إبلنا واتجهنا صوب منزل الشريف غالب الذى على شكل بستان ، ويقع عند الطرف الشرقى للضواحى ، ثم سلكنا بعد ذلك الطريق قاصدين وادى منى. الوديان المتعرجة صغيرة العرض أو كبيرة ، والمغطاة بالرمال ، والجرداء تماما من الحياة النباتية ، وتحيط بها التلال من الجانبين ، هذه الوديان توصل كلها إلى وادى منى. بعد مسير نصف ساعة من قصر الشريف تنفتح الأرض بعض الشىء فى الجهة اليسرى ، القناة التى تمد مكة بالماء العذب تمر بهذا المكان ، وشاهدنا على بعد مسير حوالى ميلين عند نهاية الأرض المفتوحة جبلا مخروطى الشكل ، يسمونه جبل النور ، الذى يعده الحجاج جبلا