مقدسا ، كما سنورد فيما بعد. وبعد مسير دام ساعة ونصف الساعة تجاوزنا عن يميننا خزانا كبيرا مبنيا من الحجر ، هذا الخزان يجرى ملؤه فى موسم الحج بالماء من القناة التى تمر بالقرب منه. وأنا أظن أن هذا المكان هو ما يطلقون عليه اسم سبيل الست. هناك واد من الوديان الجانبية التى بين مكة ومنى ، يسميه الناس هنا وادى المحصب. يقول الفاسى مؤرخ مكة ، إنه كان هناك ست عشرة بئرا بين المدينة ومنى. وبعد مسير دام ساعتين ، بعد أن صعدنا قليلا عن طريق ممر مرتفع ممهد جرى شقه عبر الوادى ، وصلنا أخيرا إلى وادى منى. بالقرب من هذا الطريق المرتفع شاهدنا حقلا صغيرا ، يروى من بئر مالحة الماء ، ويزرع فيه بعض البدو البائسين البصل والكراث الذى يطلبه السوق المكى. وسوف أورد فيما بعد وصفا كاملا لوادى منى ، الذى يمضى الحاج فيه ثلاثة أيام بعد العودة من عرفات.
واصلنا مسيرنا بين منازل منى المهدمة ، وتجاوزنا الأعمدة القصيرة ، التى يرميها الحجاج ، ثم مررنا بعد ذلك على قصر الشريف غالب ، لندخل بعد ذلك إلى الأرض الواسعة المفتوحة التى يتواصل امتدادها ناحية مزدلفة ، التى تبعد عن مكة مسير ثلاث ساعات وثلاثة أرباع الساعة. اسم المزدلفة يطلق على مسجد صغير يكاد يكون أنقاضا فى الوقت الراهن ، وبالقرب منه يوجد خزان أو مستودع للماء. من هنا تلقى خطبة من فوق حلبة مرتفعة أمام المسجد على الحجاج بعد عودتهم من عرفات. يقول الفاسى المؤرخ : إن هذا المسجد بنى فى العام ٧٥٩ الهجرى. ويغلب أن يطلق على هذا المسجد اسم المشعر الحرام ، ولكن الفاسى نفسه يقول : إن هذا الاسم يطلق على تلة صغيرة فى نهاية وادى مزدلفة ، يسميها الناس أيضا القازح. هناك طريقان يؤديان من مزدلفة إلى عرفات ، الطريق الأول على الجانب الأيسر ويمتد بطول السهل أو الوادى الذى يطلق عليه هنا اسم ضب ، الطريق الثانى يمر مباشرة عبر الجبال ، ويتصل بالطريق الأول بالقرب من العلمين. واصلنا سيرنا فى الطريق الكبير فى الوادى ، وبعد مسير أربع ساعات وربع الساعة تبدأ الجبال فى التقارب من جديد ، وهنا