فى فترة المساء ذهب بوسارى وحده إلى الباشا فى مسكن الحريم ، الذى لا يستقبل الباشا فيه أحدا سوى الأصدقاء الحميمين والمعارف المقربين له تماما. عاد إلىّ بوسارى فى غضون نصف الساعة ليقول لى إن الباشا يود لقائى فى ساعة متأخرة من هذا المساء فى مجلسه العام ، وأضاف أنه وجد قاضى مكة جالسا مع الباشا ، حيث تصادف وجوده فى الطائف بسبب ظروفه الصحية ، وأنه سمع القاضى وهو يقول عندما سمع عن رغبتى فى زيارة المدينتين المقدستين : «ليست اللحية وحدها (*) دليلا على صدق إسلام المسلم» ، ولكنه التفت إلى القاضى وقال : «أنت خير منى فى الحكم على مثل هذه الأمور». ثم أبدى القاضى ملاحظة بعد ذلك مفادها أنه ما دام المسلم هو الشخص الوحيد الذى يسمح له برؤية المدينتين المقدستين ، وأن هذا الظرف لا يمكن أن يكون جاهلا به ، فهو لا يصدق أنى يمكن أن أعلن أنى مسلم ، إلا إذا كنت كذلك فعلا. عندما علمت بهذه التفاصيل قلت لبوسارى أنه يمكن أن يعود إلى الباشا وحده ، ويقول له إنى أوذيت فى مشاعرى إيذاء كبيرا بسبب التعليمات التى أعطيت لمرشدى بعدم تنقلى فى مكة ، وإنى بكل تأكيد ينبغى ألا أذهب إلى مجلس الباشا إذا لم يستقبلنى بصفتى واحدا من الأتراك.
انزعج بوسارى من كلامى ، وحاول دون جدوى إبعادى عن ذلك الخط ، وأخبرنى أن لديه أوامر بأن يصحبنى إلى الباشا ، وأنا لا يمكن أن أخالف تلك الأوامر ، ومع ذلك تمسكت تماما بما قلته ، وعاد بوسارى مترددا إلى محمد على باشا ، الذى كان جالسا وحده بعد أن انصرف القاضى. وعندما ألقى أو أوصل بوسارى الرسالة ابتسم الباشنا ، وقال إنه يرحب بى سواء كنت تركيا أو غير تركى. فى حوالى الساعة الثامنة مساء عدت إلى القلعة ، ذلك المبنى ، أو بالأحرى المسكن البائس شبه المخرب الذى يتبع الشريف غالب ، مرتديا البذلة الجديدة التى تسلمتها فى جدة بناء على أمر من الباشا. وجدت سعادة الشريف جالسا فى صالون كبير مع القاضى الذى كان يجلس
__________________
(*) كنت أطلق لحيتى فى ذلك الوقت ، مثلما فعلت فى القاهرة ، عندما رآنى الباشا.