طريق القوافل العادية ، كانت البرقيات والمراسلات السريعة أمورا نادرة ، ولم يكن هناك اتصال برى بين القاهرة ومكة. لم يكن ذلك قاصرا على هذا الجانب وحده وإنما امتد أيضا إلى بعض تفاصيل العمليات الحربية الأخرى ؛ هذا يعنى أن القادة العسكريين الأتراك يكشفون عن افتقارهم إلى النشاط أو إن شئت فقل : بعد النظر ، الأمر الذى يجعل البدو يفاجئونهم ولا بد أن يعرض عملياتهم للفشل إذا ما واجهوا عددا يقظا لكنه لا يتفوق عليهم عددا.
كان معسكر الجنود فى الخيف غارقا تماما فى مياه السيول ، بل إن الوادى على اتساعه كان غارقا فى مياه السيول التى كانت على شكل نهر جار سريع. وبدون توقف هنا أو هناك تخطينا بلدة الجديدة بعد مرور ثلاث ساعات ونصف الساعة ، كما تجاوزنا أيضا بلدة الدار الحمراء ، التى كان سكانها قد استزرعوا حقولا جديدة ، بعد أن مررت على هذه المنطقة فى شهر يناير ، ونحن الآن فى شهر إبريل. كانت الأمطار الغزيرة توحى بمحصول وفير فى ذلك العام ، وكان السؤال المتكرر على ألسنة كل أولئك الذين كنا نمر عليهم ، حول ما إذا كانت المنطقة الفلانية أو العلانية قد غمرتها مياه السيول ، فى الجزء العلوى من البلاد. لقد وصلنا بلدة الصفراء بعد سبع ساعات ، وعندها انفصلت عن القافلة الجماعة المكية التى كانت مرافقة للقافلة ، وسبب انفصال هذه الجماعة هو أنها كانت قد استأجرت إبلها إلى هذه المسافة فقط ، نظرا لأنهم سوف يستأجرون إبلا أخرى لتكملة الرحلة إلى مكة ، ومع ذلك قامت الإبل التى كانت تحمل هذه الجماعة بمرافقتنا إلى ينبع. معروف أن الإبل المستخدمة فى عملية النقل وفى الحمل فيما بين الساحل والمدينة المنورة ، تنتمى كلها إلى قبيلة بنى حرب.
بقينا دقائق معدودات فى بلدة الصفراء ، وكان الوقت حوالى منتصف الليل ، شربنا خلالها شيئا من القهوة فى واحد من دكاكين البلدة ، ثم واصلنا مسيرنا فى اتجاه الغرب ، عن طريق سبق أن سلكته وأنا فى طريقى إلى الصفراء قادما من مكة (المكرمة). كان جانبا هذا الوادى الضيق الذى كنا ننزل إليه عامرين بمزارع النخيل الكثيفة المتواصلة. وبعد تسع ساعات ونصف الساعة تجاوزنا قرية يسميها الناس هنا