وهذا النهير ينبع من سلسلة الجبال التى تجاوزناها ، وهو يجرى فى مجرى حجرى ؛ هذا النهير يروى بيارات نخيل شاسعة ، فيها بساتين وحقول على الجانب الجنوبى الغربى من المكان ، وعلى الرغم من أننا كنا على بعد مسافة لا بأس بها من منبع ذلك النهير فإن ماءه لا يزال فاترا. يقول العصمى ، مؤرخ مكة إن الغورى سلطان مصر ، بنى مستودعا أو خزانا مائيا جميلا فى بدر ، ليشرب منه الحجيج ، لكنى لم أر ذلك الخزان ، وأنا ليس لدىّ ما يفيد وجود مثل هذا الخزان.
تقع بلدة بدر فى سهل محاط من ناحيتى الشمال والشرق بجبال منحدرة ، أما التلال الصخرية فتحيط بذلك السهل من ناحية الجنوب ، وفى الناحية الغربية نجد تلالا من الرمال المتحركة. والحج يجعل من بلدة بدر محطة من محطاته ، وقد عثرنا على المكان الذى يخيم فيه الحجاج بجانب بوابة البلدة مباشرة ، وكان ذلك قبل أربعة أشهر ، ولا يزال المكان فيه بقايا جثث الإبل ، وخرق الملابس ، وبقايا الأوانى المكسّرة ، إلخ. بدر شهيرة فى التاريخ العربى ، بسبب المعركة التى خاضها محمد صلىاللهعليهوسلم فى هذه المنطقة ، فى العام الثانى الهجرى ، ضد قوة أكبر من قوته مكونة من عرب قريش ، الذين جاءوا بصحبة قافلة ثرية كان ينتظر وصولها إلى سوريا ، وكان محمد صلىاللهعليهوسلم قد نصب لتلك القافلة كمينا فى هذه المنطقة. وعلى الرغم من مرضى الشديد ، خرجت بصحبة حجاج مسقط لمشاهدة ميدان القتال ، الذى أوصلنا إليه رجل من أهل بلدة بدر. جنوب المدينة ، وعلى بعد مسافة ميل تقريبا ، وعند سفح التلال ، توجد بعض المقابر لثلاثة عشر رجلا من أتباع النبى صلىاللهعليهوسلم وأصدقائه ، سقطوا شهداء فى هذا المكان. مقابر هؤلاء الشهداء عبارة عن أكوام من الطين ، المحاطة بصفوف من الأحجار السائبة ، وهذه المقابر كلها قريبة من بعضها البعض. كان القرشيون ، على حد قول مرشدنا ، يتخذون لأنفسهم مواقع فوق التل الواقع خلف المقابر ، فى حين قسم محمد صلىاللهعليهوسلم قوته الصغيرة إلى جزأين ، تقدم هو نفسه بقسم منهما إلى السهل ليكون صلىاللهعليهوسلم فى مواجهة العدو ، وأوكل شأن القسم الاحتياطى إلى على بن أبى طالب ، الذى صدرت له الأوامر بأن يتخذ لنفسه موقعا على التل الرملى الموجود فى الجانب الغربى.