هذا المكان ليس فيه أية قرى حاليا. بعد مضى سبع ساعات يتبدى لنا ممر صاعد شديد الضيق بين الصخور ، لا يسمح سوى بمرور جمل واحد. أدت السيول التى تنهمر على هذا الممر الضيق فى فصل الشتاء إلى تدمير الطريق ، وامتلائه بالكتل الحجرية الكبيرة الحادة ، وفى هذه المنطقة يبدو طريق الحج كأنه معزول عن الصخر ، ولكن ظلمة الليل كانت حالكة على نحو لم يتمكن أحد معه من رؤية الأشياء رؤية واضحة. بعد مضى ثمانى ساعات وصلنا إلى قمة ذلك المنحدر ، حيث توجد بناية صغيرة ، وربما كانت تلك البناية قبرا لشيخ (ولى) من الأولياء ، عند هذه البناية الصغيرة عبرنا سهلا واسعا ، رمليا فى بعض أجزائه ، وصلصالى ورملى فى جزء آخر منه ، وتنمو فيه الأشجار والأعشاب. بعد أربع عشرة ساعة وقبيل طلوع الفجر ، مررنا بخيمة بدوى صغير ، بالقرب من قرية يسمونها خوليس. توقفنا مرات عدة وقفات قصيرة أثناء الليل ، وشببنا النار طلبا لشىء من الدفء.
تقع قرية خوليس فى سهل واسع ، يرى الرائى بيارات النخيل فى أجزاء كثيرة منه ، كما أن فيه أيضا حقولا يزرع فيها الذرة ، والبامية ، والدّخن. تتناثر فى هذا السهل هجر (كفور) عدة ، وهى تندرج ضمن الاسم خوليس ، أكبر هذه الهجر ، يطلق الناس عليها اسم السوق. وبالقرب من السوق هذه ينبع نهير صغير مثل النهر الذى فى وادى فاطمة ، ويجرى جمع ماء هذا النهر فى بركة صغيرة تقع خارج القرية ، وهى مدمرة الآن ، وتستعمل فى رى السهل. بالقرب من هذه البركة يوجد بعض أنقاض سبيل من الأسبلة (*). استنادا إلى قطب الدين ، نجد أن البركة هى والسبيل ، بناهما قايتباى سلطان مصر فى العام ٨٨٥ الهجرى. فى ذلك الوقت كان فى خوليس أمير خاص بها ، وهذا الأمير كان من الشخصيات القوية جدا فى الحجاز. شاهدت كثيرا من الماشية ، والأبقار ، والأغنام ، لكن العرب كانوا يشتكون من أن مزارعهم كانت تعانى من الجفاف ، لعدم سقوط المطر ، على الرغم من دخول
__________________
(*) السبيل عبارة عن مبنى صغير مفتوح ، عادة ما يكون بالقرب من عين من عيون المياه ، والمسافرون يؤدون الصلاة عند هذه الأسبلة ، وينالون قسطا من الراحة.