ولا يعلم ما خلفه إلا الله ، وهو غور المحيط ولم يقف أحد من خبره على الصحّة ، ولا ركبه أحد ملججا أبدا إنما يمرّ مع ذيل (١) السّاحل لأن به أمواجا كالجبال الشوامخ ودويّ كعظم (٢) دويّ الرعد لكنّ أمواجه [٨ ب] لا تنكسر ولو انكسرت لم يركبه (٣) أحد لا ملججا ولا مسوحلا.
واتفق جماعة من أهل أشبونة (٤) وهم ثمانية أنفس وكلّهم أبناء عمّ فأنشأوا مركبا كبيرا وحملوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم مدة طويلة ، وركبوا متن هذا البحر ليعرفوا ما في نهايته ويروا ما فيه من العجائب ، وتحالفوا أنهم لا يرجعون أبدا حتّى ينتهوا إلى البرّ الغربيّ أو يموتوا ، فساروا فيه ملججين أحد عشر يوما فدخلوا إلى بحر عظيم غليظ الموج كدر الريح مظلم المتن والقعر (٥) كثير القروش (٦) فأيقنوا بالهلاك والعطب ، فرجعوا إلى (٧) البحر في الجنوب إثني عشر يوما فدخلوا إلى جزيرة الغنم وفيها من الأغنام ما لا يحصي عدده إلا الله ، وليس بها آدمي ولا بشر ولا صاحب فنفضوا (٨) إلى الجزيرة وذبحوا من ذلك الغنم وأصلحوه وأرادوا أن يأكلوه فوجدوا لحومها مرّة لا تؤكل ، فأخذوا من جلودها ما أمكن ووجدوا بها عين ماء عذب فملئوا منها وسافروا مع الجنوب اثني عشر يوما أخر فوافوا جزيرة وبها عمارة فقصدوها ؛ فلم يشعروا إلا وقد أحاطت بهم زوارق وبها قوم موكلون بها فقبضوا عليهم وحملوهم إلى الجزيرة فدخلوا إلى مدينة على
__________________
(١) في الأصل وفي (ب) و (ر): «زبد» وفي (س): «زبد البحر» وما أثبتناه من الخريدة.
(٢) وردت في جميع النسخ : «كأعظم» وما أثبتناه من الخريدة.
(٣) في الأصل : «لا يركب» وما أثبتناه من (ب) و (س) و (ر) والخريدة.
(٤) في (س) و (ر): «أشبون».
(٥) في الأصل : «القفر».
(٦) ورد في هامش (س) بخطّ مختلف عن خطّ الناسخ : «القروش جمع قرش ، نوع من السمك يأكل الآدمي».
(٧) في الخريدة : «مع».
(٨) في الخريدة : «فنهضوا».