ويجنيها ويطعمها الناس ، فقال له : عروة فله العام ، يأتني فوليه يحيى فبنى الثلم وسد الوشع (١) وحظر ومنع الناس أن ينالوا منه شيئا ، ثم جذه وباعه. وكان ذلك العام ، فبكى فبلغ شبيها مما باع به عبد الله ، فجاء يحيى إلى عبد الله في لذله (٢) ما رآه منه شيئا ولا بلغ إلّا ما رفع إليه. فقال له أبوه : إني والله يا بني ما اتهمتك ولا جئتنا إلّا بما رزقنا ولا كان عبد الله يأتينا إلّا بأرزاقنا. ولا كان الناس ينالون منه إلّا أرزاقهم فصرفت عنا إلى غيرنا ولا شككت في هذا ولا أرسلتك إلّا لتعتبر.
قال : ونا الزبير ، حدّثني عمي مصعب قال (٣) : قال عبد الله بن عروة : بعث إليّ عبد الله بن الزبير فقال : انطلق إلى الحصين بن نمير حتى تلقاه فتناظره ، ثم أمر لي ببختية ، فرحلت بغبيط ثم شد فوق الغبيط جل ، فقلت : ما أمنع بالغبيط الرحل ... قال : هلموا جل ، وأن تعلو عليه إذا كلمته فانطلقت حتى لقيت الحصين بن نمير (٤) فقال له أصحابه : إن صاحبك يعنون مسرف بن عقبة قد عهد إليك أن لا تمكن وتسد عن أذنك فلا تسمع منه شيئا فأبى الحصين وقال : نسمع منه ، وننظر ما يقول وما يعرض. فإن جاءنا بشيء مما نحب قبلنا.
قال : فأدناني منه ، فكلمته وأنا مشرف عليه ، قال : وجعل يتطاول إليّ بعنقه (٥) فعرفت منزلتي والله ما انصرفت حتى عرفت أني قد كسرت من حده.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنبأ الحسن (٦) بن علي ، أنبأ أبو عمر بن حيوية ، أنبأ سليمان بن إسحاق ، نا الحارث بن أبي أسامة ، أنبأ محمّد بن سعد ، أنا محمّد بن سليم ، قال : سمعت يوسف بن يعقوب الماجشون يقول (٧) :
كنت مع أبي في حاجة ، فلما انصرفنا ، قال لي أبي : هل لك في هذا الشيخ؟ فإنه بقية من بقايا قريش ، وأنت واجد عنده ما شئت من حديث ، ونبيل رأي ـ يريد عبد الله بن عروة قال : فدخلنا عليه فحادثه أبي طويلا ثم ذكر أبي بني أمية وسوء سيرتها ، (٨) وما قد
__________________
(١) عن هامش الأصل وبعدها صح.
(٢) كذا رسمها.
(٣) الخبر في نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٢٦٣.
(٤) بالأصل هنا : نمر.
(٥) مضطرب إعجامها بالأصل ، والمثبت عن المختصر ١٣ / ١٣٩.
(٦) بالأصل : الحسين ، خطأ ، والسند معروف.
(٧) الخبر من طريق محمّد بن سعد في تهذيب الكمال ١٠ / ٣٣٦.
(٨) كذا بالأصل ، وفي المختصر ١٣ / ١٤٠ : سوء سيرتهم.