العقلية بهذا التمرين قد نشطت بوجه ما ، ويكون لسانه قد تقوم واكتسب اللهجة العربية الفصحى .. وأظهر ما يبدو في هذا الأسلوب التعليمي أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات في اللغة إلا بعد أن يكون التلميذ قد تذوق هذه اللغة بنفسه ، وتكونت في عقله ملكة وذوق.
وأغلب المتعلمين كانوا يقفون عند هذا الحد ، ويتخرجون في سن الثانية عشرة ، وبعضهم كان يخطو إلى المرحلة الثالثة ، يدرسون فيها علوم الدين من فقه وحديث وتوحيد الخ ، وفي الأحوال الاستثنائية كان بعض الأفراد يدرسون العلوم الطبيعية والرياضية.
والمتخرج ما كان يحصل على شهادة يعترف بها رسميا ، وإنما كان يعتمد على مجهوده الشخصي وشهرته وكفاءته في إلزام الناس بالاعتراف بوجوده ومنزلته ، وكان لا يتصدر للتدريس إلا من مارس الفنون المتداولة بالأزهر ، وتلقاها من أفواه المشايخ ، وصار متأهلا للتصدر ، حلّالا للمشكلات ومعضلات المسائل ، فلا يحتاج لاستئذان إلا على جهة الأدب والبركة ، وإنما يعلم بعض المشايخ والطلبة فيحضرون درسه ، ويتراكمون عليه ، وهو يتأنق في الابتداء ويتهالك في طريق الإغراب والتوغل وقد يتعصب عليه بعض الحاضرين ويتعنت ، والبعض الآخر ينتصر له ، وإذا تلعثم في إجابته لسائل ربما أقاموه ومنعوه من التصدر ، وإذا عاند ربما ضربوه.
ولم يكن للأزهر شيخ منذ أن أنشىء إلى القرن العاشر ، وإنما كان يتولاه الملوك والأمراء الذين كانوا يهتمون بشأنه ويكرمون أهله ، حتى إذا كان القرن الحادي عشر الهجري جعل للأزهر شيخ ، ومما يجمل ذكره أن شيخ الأزهر كان بمثابة شيخ الإسلام في دار الخلافة ، فكان يقوم بشؤون الأزهر ويرعى أمور أهله ويفصل في قضاياهم ويضبط مرتباتهم ، ويمثلهم لدى الحكومة ، ومنوط به إقامة شعائر الدين في أنحاء القطر قاطبة.
وأول من تولى المشيخة ـ كما قاله الجبرتي ـ هو الإمام محمد بن