الجامع الأزهر وقصدوا الشيخ وأخبروه بالواقعة ، فغضب الشيخ لاستهتار الأمراء وتعسفهم ونادي في الجماهير غير هياب ولا وجل : أنا معكم ، وغدا نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما نهبوا بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد للقتال ، وترامت الأخبار بين الأهالي ، فأسرعوا نحو الأزهر للاشتراك في المعركة ، وكانت أخبار الجماهير الهائجة قد وصلت إلى إبراهيم بك ، وبلغه تصميم الإمام الدردير على قيادة الشعب ضد الأمراء ، وكان يعلم مقدار ما للشيخ من نفوذ ومكانة على الأهالي ، فخشى أن يستفحل الأمر ويؤدي إلى ضياع سلطته في مصر ، فأرسل نائبه ومعه أحد الأمراء إلى الإمام الدردير واعتذر له عما حدث ، ووعد بأن يكف أيدي الأمراء عن الناس. كما قرر توبيخ حسن بك شفت على صنيعه وطلب قائمة بجميع ما نهبه ليأمره برد ذلك إلى صاحبه ، وهكذا وضع الامام قاعدة دستورية هامة وهي احترام الحكم لارادة المحكومين (١).
والثورة الثانية (٢) تتلخص كما تقدم في أنه في شهر ذي الحجة عام (١٢٠٩ ه ـ ١٧٩٥ م) اشتكى فلاحو قرية من قرى بلبيس إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي من ظلم محمد بك الألفي ورجاله ، فبلغ الشيخ الشرقاوي الشكوى إلى كل من مراد وإبراهيم بك ، وخاطبهما في كف أذى محمد بك الألفي عن الفلاحين فلم يفعلا شيئا ، فما كان من الشيخ الشرقاوي رحمه الله تعالى إلا أن عقد اجتماعا في الأزهر حضره العلماء وتشاوروا في الأمر فاستقر رأيهم على مقاومة الامراء بالقوة حتى يجيبوا مطالبهم ، وقرروا إغلاق أبواب الجامع الأزهر ، وأمروا الناس بغلق الأسواق والحوانيت استعدادا للقتال.
__________________
(١) مجلة الأزهر عدد شوال ١٣٧٢ الأستاذ أحمد عز الدين خلف الله ـ والجبرتي طبعة بولاق ج ٢ ص ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٢) الجيرتي ج ٢ ص ٢٥٨ ، والأستاذ خلف الله في مجلة الأزهر.