والشيخ الأمير وطال الحديث بينهم ، وكان مداره حول حقوق الشعب ، ولم يستطع ابراهيم بك ولا مراد بك ولا الأمراء المكابرة في هذه المرة ، فقد كانت القاهرة تغلي كالمرجل وكانت أشبه ببركان يوشك أن يثور ، وكان الشعب المتكتل في الخارج يلوح مهددا متوعدا ، وانتهى هذا المجلس التاريخي بموافقة الأمراء والوالي على القرارات الآتية :
أولا : لا تفرض ضريبة الا إذا أقرها مندوبو الشعب.
ثانيا : أن ينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم.
ثالثا : ألا تمتد يد ذي سلطان إلى فرد من أفراد الأمة إلا بالحق والشرع.
وكان القاضي الشرعي حاضر فحرر (حجة) تضمنت هذه القرارات وقع عليها الوالي ، وختم عليها إبراهيم بك وأرسلها إلى مراد بك فختم عليها أيضا وانحلت الأزمة. ورجع العلماء يحيط بكل منهم موكب من الأهالي وهم ينادون : حسب مارسمه سادتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية.
ولو تأملنا في هذا النص الذي ساقه مؤرخ مصر الجبرتي ودققنا النظر في قوله «حسب ما رسمه سادتنا العلماء» لوجدنا أن هذه العبارة الظاهرة تحمل مبدأ دستوريا هائلا : وهو أن الأمة مصدر السلطات.
وقد توافق رأي أكثر المؤرخين الفرنجة على ان هذه الحجة بمثابة وثيقة إعلان حقوق الانسان ، سبقت بها مصر غيرها.
وقد طبق وكلاء الشعب ويمثلهم العلماء والأعيان هذا المبدأ ـ مبدأ الأمة مصدر السلطات ـ على والي مصر خورشيد باشا ، حين عجز عن ضبط الأمن في البلاد ، إذ عقدوا مؤتمرا وطنيا يوم ١٣ صفر عام ١٢٢٠ ه ، وقرروا عزل الوالي. ولما رفض الاذعان لهذا القرار قام العلماء والأعيان والشعب بتنفيذ قرار الأمة بالقوة ودارت رحا الحرب بينهم