وقد أتم تحصيله في سنة ١٣٢٤ ه (١٩٠٦) وتقدم لامتحان شهادة العالمية وكان صغير السن بين أقرانه في ذلك الحين. وكان امتحان العالمية في أصول الفقه يكون في مسألة من مسائل مقدمة جمع الجوامع ، ورأى شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمن الشربيني تجاوز المقدمة والامتحان في مسألة أخرى حتى لا يقصر الطلبة جهودهم على المقدمة ، فعيّن مسألة للامتحان في القياس فتخلف عن الامتحان كثير ممن جاء موعد امتحانهم ، فأبيح التقدم لم بعدهم وتقدم الشيخ ففاز في امتحان دقيق كان شيوخنا يحدثوننا عن عسره وكان الطالب يقضي في الامتحان سحابة نهاره ، ولكن الشيخ لم يتجاوز ثلاث ساعات ، وكان الامتحان في أربعة عشر علما.
وعقب تخرجه نظم في سلك مدرسي الأزهر في ٢١ من نوفمبر سنة ١٩٠٦. وكان رحمه الله أحيانا يتحدث بما أفاء الله عليه من النعمة ، وما كان عليه الأزهر فيقول : كان مرتب المدرس في الأزهر خمسة وسبعين قرشا في الشهر ، ولقد كان أول ما تسلمته بعضا من هذا القدر إذ كان دخولي في التدريس في أعقاب الشهر ، ولقد كان فرحي بهذا المال الذي هو أول مال اكتسبته من الأزهر عظيما : إذ كان فيه وصلى لحبلي بحبال علماء الأزهر. وقد اختير لتدريس الرياضة بعد ، وكان يتقاضى على ذلك خمسين ومائة قرش في الشهر ، وهو مع ذلك يدرس العلوم الدينية واللغوية. ويذكر بعض من تلقى العلم عنه في هذه المدة فيقول : كان الشيخ جميل البزة مونقها غير متزمت في هديه ، يلقى الدرس في ترتيب عجيب وسياق لطيف يأخذ بألباب السامعين ، يبعد عن الحشو والتطويل واللغو من القول ، ولا يطيل في المباحث اللفظية ، له نغمة حلوة في الإلقاء تجذب الطلاب.
وفتحت مدرسة القضاء الشرعي في ذلك العهد ، وكان على أمرها عاطف بركات رحمه الله ، وكان يختار لها من الأزهر المبرزين الفوقة ، فذكر له الشيخ فاختاره ، وكان ذلك في سبتمبر سنة ١٩٠٨ فبقي فيها إلى ١٢ يونية سنة ١٩١٦ م. وقام فيها بتدريس الفقه وأصول الفقه ، فتخرج