مصر ومغاربة» ، وهو رقم كبير يدل على ضخامة العدد الذي كان يضمه الأزهر بصفة عامة من طلاب مصر وطلاب الأمم الإسلامية المختلفة في تلك العصور.
أما مواد الدراسة بالأزهر في هذا العصر فلا ريب ـ كما يقول عنان ـ أن علوم الدين واللغة كانت في المقدمة دائما ، وكان للعلوم الدينية بنوع خاص أوفر قسط ، فعلوم القرآن والحديث والكلام والأصول والفقه على مختلف المذاهب ، وكذلك علوم اللغة من النحو والصرف والبلاغة ثم الأدب والتاريخ ، هذه كلها كانت زاهرة بالأزهر خلال العصور الوسطى.
وقد كانت الصبغة المذهبية تغلب كما رأينا على الدراسة بالأزهر ولا سيما في بادية عهدها ، ولم يك ذلك غريبا في ظل دولة كالدولة الفاطمية نتشح بثوبها المذهبي العميق وكان من الطبيعي أيضا أن تحتل علوم الشيعة وفقه آل البيت من حلقاته الدينية المقام الأول ، بيد أنه يمكن أن يقال من جهة أخرى إن هذه الصيغة المذهبية لم تكن دائما مطلقة ، ولم تكن دائما لزاما على الطلاب. ونحن نعرف أن الخلافة الفاطمية على الرغم من استمساكها بصبغتها المذهبية العميقة لم تستطع أن تحشد سواد الشعب المصري إلى جانبها في هذا المضمار ، ولم تحاول دائما أن تجري على سياسة الإرغام في طبعه بطابعها ، وفي فرض لونها المذهبي على عقائده ، بل نراها في أحيان كثيرة تلجأ في ذلك إلى سياسة الرفق والتسامح. ولنا في ذلك دليل في المرسوم الديني الذي أصدره الحاكم بأمر الله ـ وهو من غلاة الفاطميين ـ في سنة ٣٩٨ ه (١٠٠٨ م) وفيه يقرر بعض الأحكام ويفسرها على أثر ما وقع بين الشيعة وأهل السنة من خلاف في فهمها ، ويحاول أن يوفق في ذلك بين المذاهب المختلفة ، وقد جاء فيه بعد الديباجة :
«يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون ، صلاة الخميس للذين بما جاءهم فيها