زهاء أربعين عاما تقام فيه الجمع الرسمية ، ويخطب الخليفة فيه بنفسه في جمع رمضان وفي الأعياد ، حتى تم إنشاء الجامع الحاكمي أو الجامع الأنور في عصر الحاكم بأمر الله ، وكان الخليفة العزيز بالله قد بدأ بإنشائه منذ سنة ٣٨٠ ه ، وشهد به الجمعة في رمضان وخطب فيه غير مرة ، ولكنه توفي قبل إتمامه ، فعني ولده الحاكم بأمر الله بإتمامه منذ سنة ٣٩٣ ه ، واستغرق بناؤه عشر سنين. ولما تم بناؤه عني الحاكم بفرشه وتأثيثه عناية كبيرة ، وزين بالستور الفخمة والتنانير الفضية ، وأقيمت فيه الجمعة الرسمية في رمضان سنة ٤٠٣ ه وصلى فيه الحاكم بالناس وكان يوما مشهودا (١) ، وألفى الجامع الأزهر لأول مرة في جامع الحاكم منافسا ينازعه الصفة الرسمية التي استأثر بها حتى ذلك الحين. وكانت الجمعة الرسمية تقام أيضا من وقت إلى آخر في بعض المساجد الفاطمية الأخرى ، مثل جامعي راشدة والمقسى اللذين أنشأهما الحاكم بأمر الله ، وكانت الخطب الخلافية تلقي في الأزهر والجامع الحاكمي ، وكذلك في جامعي عمرو وابن طولون اللذين لبثا يحتفظان دائما بهيبتهما القديمة (٢) ، بيد أن الجامع الأزهر لم يفقد من جراء هذه المنافسة مكانته الخاصة ، بل كان دائما يعتبر في نظر الخلفاء الفاطميين ورجال الدولة مسجد الدولة الأول.
وكانت إقامة الجمعة والصلوات الموسمية الجامعة بالأزهر من أخص المظاهر المذهبية الرسمية التي أسبغتها عليه الخلافة الفاطمية ، وقد رأينا فيما تقدم أن الجامع الأزهر أنشىء ليكون رمزا لإمامة الدولة الجديدة ومنبرا لدعوتها ، وقد لبث الأزهر منذ إنشائه محتفظا بهذه الصفة بالرغم من قيام عدة أخرى من المساجد الفاطمية الجامعة التي نافسته فيما بعد في إقامة الجمعة والصلوات الموسمية ، وكان الخليفة يشهد الصلاة أيام الجمع والأعياد الموسمية ، ويخطب فيها بنفسه في أحيان كثيرة ، وكانت خطبة
__________________
(١) المقريزي في الخطط ج ٤ ص ٥٦
(٢) صبح الأعشى ج ٣ ص ٥٠٣