بحيث يراه الناس ، ثم يزر تلك القبة حتى تصير كالهودج ، ثم ينزل مستقبلا للخليفة. ويقف ضابطا للمنبر ، وينهض الخليفة فيلقي خطبة قصيرة من مسطور يعده له ديوان الإنشاء يتلو فيها آية من القرآن الكريم ، ثم يصلي على أبيه علي بن أبي طالب وجده النبي عليه الصلاة والسلام ، ويعظ الناس وعظا بليغا موجزا ، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه ويتوسل بدعوات فخمة تليق به ، ثم يدعو للوزير والجيوش بالنصر والظفر على الكافرين والمخالفين ، ثم يختتم بقوله : «اذكروا الله يذكركم» فيصعد اليه الوزير ، ويفك أزرة القبة ويعود القهقري ، فينزل الخليفة ويقف للصلاة فوق الطراحات المذكورة في المحراب وحده إماما ، وخلفه الوزير والقاضي ومن ورائهما الأساتذة والأمراء وأصحاب الرتب والمؤذنون بترتيب مخصوص ، فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي ، وأسمع القاضي المؤذنين فأسمعوا الناس ، ويقرأ الخليفة في الركعة الأولى ما هو مكتوب على الستر الأيمن ، وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب على الستر الأيسر ، فإذا انتهت الصلاة خرج الناس وركبوا تباعا ، ثم يعود الخليفة بموكبه إلى القصر والبوقات تضرب ذهابا وإيابا ، ويتكرر هذا الترتيب والنظام في الجمعتين الأخريين (١).
وقد لبث الأزهر في العهد الفاطمي فضلا عن صبغته الجامعية وعن إقامة الجمع والصلوات الرسمية فيه مركزا لكثير من المظاهر والمناسبات الرسمية الأخرى.
فمن ذلك أنه كان مركز المحتسب ، وكان منصب المحتسب من أهم المناصب الدينية في الدولة الفاطمية ، وهو الثالث عندهم بعد قاضي القضاة وداعي الدعاة ، وعمله يتناول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة ، وله نواب في جميع أنحاء القطر ، ويجلس بالجامع
__________________
(١) راجع الخطط ج ٤ ص ٦١ و٦٢ ـ وراجع أيضا صبح الأعشى ج ٣ ص ٥٠٩ ـ ٥١١ ، والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ١٠٣ و١٠٤.