الأزهر وجامع مصر (جامع عمرو) يوما بعد يوم (١) ، وكانت مجالس القضاء تعقد قبل قيام الجامع الأزهر بجامع عمرو والجامع الطولوني.
ومن ذلك أنه كان مركز الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي الكريم ، ففي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر ، ومعهم أرباب تفرقة صواني الحلوى التي أعدت بالقصر لتفرق في أرباب الرسوم : كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء وغيرهم ، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة للختمة الكريمة ، ثم يعودون في موكبهم إلى القصر ، وينتظرون تحت المنظرة التي يجلس فيها الخليفة ، ثم تفتح إحدى طاقات المنظرة ويبدو منها وجه الخليفة ، ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليكم السلام ، ويقرأ القراء ويخطب الخطباء بترتيب معلوم ، فإذا انتهى الحفل أخرج الأستاذ يده مشيرا برد السلام كما تقدم ، ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس (٢).
وكان الاحتفال المحزن بيوم عاشوراء ، أو مأتم عاشوراء ، يقام بالجامع الأزهر قبل إنشاء المشهد الحسيني في سنة ٥٤٩ ه ، وكان هذا الحفل من أجمل المظاهر المذهبية التي رتبتها الدولة الفاطمية لإحياء ذكرى الحسين. ففي العاشر من المحرم يحتجب الخليفة عن الناس ، وفي الضحى يركب قاضي القضاة والشهود ، وقد ارتدوا ثياب الحداد ، إلى الجامع الأزهر (أو المشهد الحسيني فيما بعد) في حفل من الأمراء والأعيان وقراء الحضرة والعلماء ، ثم يأتي الوزير فيتبوأ صدر المجلس ، ويجلس إلى جانبيه قاضي القضاة وداعي الدعاة ، والقراء يتلون القرآن ، ثم ينشد قوم من الشعراء أشعارا في رثاء الحسن والحسين وآل البيت ، ويضج الحضور بالبكاء والعويل ، ثم ينصرف الوزير إلى داره ويستدعي
__________________
(١) صبح الأعشى ج ٣ ص ٤٨٧
(٢) صبح الأعشى ج ٣ ص ٥٠٣