القوم إلى القصر وقد فرشت أروقته بالحصر بدل البسط ، فيجدون صاحب الباب في انتظارهم فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف مراتبهم ، ويقرأ القراء وينشد المنشدون على النحو السابق. ثم يمد في القاعة سماط الحزن عند الظهر ، وليس فيه سوى العدس والألبان والأجبان الساذجة والأعسال النحل والخبز الأسمر ، ويدخل من شاء لتناول الطعام فإذا انتهى القوم انصرفوا إلى دورهم. ويعم الحزن والنواح القاهرة في ذلك اليوم ، وتعطل الأسواق ويعتكف الناس حتى العصر ، ثم تفتح الأسواق وتسترد العاصمة شيئا من نشاطها ومظهرها العادي (١).
وفي ليالي الوقود الأربع ، وهي ليلة أول رجب ، وليلة نصفه ، وليلة أول شعبان وليلة نصفه ، كان الخليفة يقصد مساء إلى منظرة الجامع الأزهر ، وكانت بجواره من الجهة القبلية وتشرف عليه ويجلس الخليفة في هذه المنظرة ومعه حرمه ، وذلك لمشاهدة الزينات المضيئة والاحتفالات الفخمة التي كانت تقام في تلك الليالي الشهيرة (٢). وإليك وصف المسبحى لبعض هذه الليالي. قال في حوادث شهر رجب سنة ٣٨٠ ه «وفيه خرج الناس في لياليه على رسمهم في ليالي الجمع وليلة النصف إلى جامع القاهرة (يعني الجامع الأزهر) عوضا عن القرافة ، وزيد فيه في الوقيد على حافات الجامع ، وحول صحنه التنانير والقناديل والشمع على الرسم في كل سنة ، والأطعمة والحلوى والبخور في مجامر الذهب والفضة وطيف بها ، وحضر القاضي محمد بن النعمان ليلة النصف بالمقصورة ومعه شهوده ووجوه البلد ، وقدمت إليه سلال الحلوى والطعام وجلس بين يديه القراء وغيرهم والمنشدون والناحة وأقام إلى نصف الليل ، وانصرف إلى داره بعد أن قدم إلى من معه أطعمة من عنده وبخرهم» ، وقال في حوادث شعبان من نفس السنة «وفي ليلة النصف من شعبان كان للناس جمع عظيم بجامع القاهرة من الفقهاء والقراء والمنشدين وحضر
__________________
(١) راجع خطط المقريزي ج ٢ ص ٢٨٩ ـ ٢٩١ ، والنجوم الزاهرة ج ٥ ص ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٢) الخطط ج ٢ ص ١٨١ و٣٤٥