القاضي محمد بن النعمان في جميع شهوده ووجوه البلد ووقد التنانير والمصابيح على سطح الجامع ودور صحنه ، ووضع الشمع على المقصورة وفي مجالس العلماء ، وحمل إليهم العزيز بالله الأطعمة والحلوى ، والبخور فكان جمعا عظيما» (١).
وهكذا كانت ليالي الوقود من المناسبات العامة التي يتبوأ فيها الجامع الأزهر مكانة خاصة ، فيخرج الناس إليه من كل فج ، ويبدو فيها المسجد الشهير كأنه شعلة من النور وتضاء في جوانبه وعلى حافاته المشاعل والواقدات الساطعة ، ويعقد في صحنه مجلس حافل من القضاة والعلماء برياسة قاضي القضاة ، ويبعث الخليفة إليهم بسلال من الأطعمة والحلوى الفاخرة ، وتضاء جميع المساجد الأخرى وتبدو العاصمة الفاطمية كلها في حلل بديعة من الأنوار الساطعة.
هذا وقد وصف مؤرخو الدولة الفاطمية أيضا الموكب الرسمي الذي كان ينظم في ليالي الوقود ، عقب الغروب ، ويتقدمه القاضي ، ومن حوله القراء والمؤذنون ويسيرون على ضوء المشاعل والشموع الساطعة إلى القصر ، ثم ينتظمون في ميدان بين القصرين تجاه باب الزمرد ، أحد أبواب القصر الغربية ، وينتظرون هنالك حتى يطل عليهم الخليفة ويحييهم من إحدى طاقات المنظرة الخلافية (٢).
كذلك كان الجامع الأزهر أيام المعز والعزيز والحاكم ، مركزا لمجالس الحكمة الفاطمية. وكانت هذه المجالس الشهيرة التي رتبتها الخلافة الفاطمية لبث دعوتها وتوطيد إمامتها تتخذ صورة الدعوة إلى قراءة علوم آل البيت والتفقه فيها ؛ وكان يقوم بإلقاء هذه الدروس أيام المعز بنو النعمان ، وهم أسرة مغربية نابهة قدمت في ركاب الخليفة الفاطمي ، وتولت قضاء مصر زهاء نصف قرن ؛ وكانت مجالس الحكمة تعقد أحيانا
__________________
(١) المقريزي عن المسبحي ـ الخطط ج ٢ ص ٣٤٥.
(٢) راعع خطط المقريزي ج ٢ ص ٣٤٦ ، وصبح الأعشى ج ٣ ص ٥٠١ و٥٠٢