الشرقية القبلية والأخرى في الجهة الشرقية ، وعلى الجملة فقد كانت هذه العمارة أعظم ما شهد الجامع الأزهر منذ قرون ، ورتب هذا الأمير الكبير للجامع وطلابه مرتبات وأطعمة كثيرة ، ومازال الجامع الأزهر بوجه عام على حاله التي جدده بها عبد الرحمن كتخدا ، ما عدا تغييرات وإضافات قليلة أجريت في العهد الأخير (١).
وهكذا لبث الأزهر خلال حياته الطويلة الحافلة موضع العناية والرعاية من الخلفاء والسلاطين والأمراء ، يتعهدونه بالتجديد والإصلاح والنفقة المستمرة ، ولم يحظ جامع آخر من جوامع مصر التاريخية بمثل ما حظي به الأزهر من رعاية ، وقد يرجع أكبر الفضل في ذلك إلى ما يتمتع به الأزهر من الصفات العلمية إلى جانب صفته الدينية ، وما زال الجامع الأزهر بفضل هذه الرعاية المستمرة يحتفظ بفخامته ورونقه وجدته بالرغم من عمره الألفي.
ومما يذكر بالاغتباط أن الأمراء الذين كانوا يبذلون الغالي والرخيص في تشييد هذا الجامع وتكبيره كانوا لا يبغون بذلك سوى وجه الله تعالى وخدمة العلم ، لا حب الظهور والرياء ، فقد ذكر المؤرخون أن الأمير طيبرس مشيد المدرسة الطيبرسية التي هي الآن من ملحقات الأزهر ، لما فرغ من بناء مدرسته وأحضروا اليه حساب نفقاتها ، استدعى بطست مملوء بالماء وغسل أوراق الحساب بأسرها من غير أن يقف على شيء منها ، وقال : شىء خرجنا عنه لله لا نحاسب عليه!
وما زال الجامع الأزهر يحتل الموقع الذي أقيم فيه منذ ألف عام. وما زالت فيه بقية من أبنية الفاطميين الأولى تحتل مكانها الأول داخل الصرح القائم ، وهي تكاد تبلغ نصف المسجد الحالي ، وقد وفقت إدارة الآثار العربية أخيرا إلى الكشف عن رأس المحراب الفاطمي القديم ، وقد
__________________
(١) راجع ترجمة الامير عبد الرحمن كتخدا وتفاصيل منشآته الكثيرة بالأزهر وغيره من المساجد والمدارس في عجائب الآثار للجبرتي ج ٢ ص ٥ وما بعدها