أنفس المكتبات في العالم ، بما فيها من المخطوطات النادرة ، والمجلدات التي تبلغ زهاء مائة ألف مجلد .. فلنغادر الآن هذه الزيادات ، ولنعبر «الصحن» في خط مستقيم ، ولندخل المقصورة نجتازها إلى المحراب ... هنالك سنشعر بشيء من الدهشة ، إذ نجد المحراب غير مستند إلى جدار القبلة كما هو شأن المحاريب ، بل نراه منعزلا تمام العزلة في وسط المصلى ؛ ونلاحظ فوق ذلك أن الأرض التي تمتد من خلف هذا المحراب ، والتي تكاد تعادل مساحة الأرض التي أمامه ، مرتفعة عن هذه بحيث يصعد اليها بدرجتين ؛ ونرى أخيرا أن هناك محرابا ثانيا مستندا كالعادة إلى الجدار الجنوبي الشرقي الذي هو جدار القبلة.
غير أن هذه الدهشة ستزايلنا متى عرفنا أن هذا الإيوان المرتفع قليلا ، والمحراب الذي عليه ، المتصل بالجدار ، وكذلك البابان اللذان في هذا الجدار ، والمنارتان المقامتان فوقهما ، كل هذه زيادات جديدة في المقصورة أضيفت إليها أخيرا على يد الأمير (١) عبد الرحمن كتخدا في سنة ١١٦٧ ه (١٧٥٣ م). ومن السهل حينئذ أن نعرف إلى أي حد بلغ ورع هذا الأمير وتقواه في المحافظة على تراث سلفه الصالح ، وعدم الجرأة على تغيير شيء من معالمه بغير ضرورة مادية .. وهذا هو ما يسمى في لغة العصر الحاضر : احترام الماضي وصيانة آثار القدماء.
وقبل أن نتأهب للإنصراف من هذه المقصورة يجمل بنا أن نقترب من جدارها الشمالي الشرقي ... فسنجد فيه بابا صغيرا ننفذ منه إلى مبنى جميل أقامه الأمير جوهر قانقباي المتوفى سنة ٨٤٤ ه (١٤٤٠ م). لقد بناه هذا الأمير ليكون مدرسة صغيرة ، ولكنه جمع فيها كل عناصر المسجد الكبير مع جمال التنسيق ودقة الفن. وفيها قبة تقوم على قبر بانيها.
__________________
(١) إلى هذا الأمير يرجع الفضل أيضا في بناء الباب الكثير الذي في المدخل على الميدان ، وفي تجديد واجهته اليمنى ، وهي جدار المدرسة الطيبرسية.