ومنها المدرسة الفاضلية بناها القاضي الفاضل عام ٥٨٠ ه وكان في مكتبتها مائة ألف كتاب مجلد (١).
وكانت كل مدرسة من هذه المدارس تتخصص في دراسة بعينها ، وكان الغرض من إنشاء هذه المدارس هو منافسة الأزهر وصرف الطلاب عنه ، وقد كان لقيام هذه المدارس وكثرتها خلال القرنين السابع والثامن ، أي حتى بعد عصر الأيوبيين أثر كبير في سير الدراسة في الأزهر ، إذ نافسته هذه المدارس منافسة شديدة وجذبت إليها أعلام الأساتذة ، وقضى الأزهر في هذه المدة عصرا من الركود الطويل.
وقد كان الأيوبيون من الغلاة في المذهب الشافعي ، وكانوا من أتباع الأشعري ، وكان الحنابلة بمفردهم يكونون معسكرا مستقلا يناهض معسكر الأشاعرة ، وكان من نتائج تصادم الأفكار بين أصحاب المذاهب المتعددة أن اشتدت روح التعصب والمغالاة ، فكان كل فريق يدفع صاحبه بما يملك من أسلحة الهجوم ، فكان أهل السنة يطعنون الشيعة بأنهم كفار زنادقة وفساق ملاحدة ، وقد أصدر بلاط بغداد في سنة ٤٠٢ ه في عهد الخليفة القادر بالله فتوى رسمية موقعا عليها من كبار الفقهاء والقضاة بهذا المعنى ، طعنا في الفاطميين خلفاء مصر.
ومن ناحية أخرى لم يتوان الأشاعرة عن استعمال سلاح التكفير والتفسيق في شتى المناسبات ، حتى بلغ الأمر فصل الحنابلة كفرقة تلز في قرن مع النصارى واليهود والباطنية. ومن طريف ما يروى أن منشىء المدرسة الرواحية في دمشق نص في حجة وقفيته على هذه المدرسة نصا يمنع دخول اليهود والمسيحيين والحنابلة لهذه المدرسة.
ومن هنا ورث الأزهر التعصب المذهبي الشديد إلى حد الإفتاء بالكفر وعدم صحة الاقتداء بالمخالف في المذهب ، فقد أفتى ابن حجر الهيثمي بأن ابن تيمية العالم الفقيه كافر لا تصح الصلاة وراءه ، وأمر
__________________
(١) ٢٥٥ ج ٢ الخطط للمقريزي