لم أسترح لذلك الشخص ، ولم أزره خلال إقامتي في جدة إلّا زيارات قصيرة / ٣٠٨ / للمجاملة ، والحق أنه كان مريضا جدا ، ولم يكن يغادر سريره إلّا قليلا. ولمّا عدت من الطائف وجدت أن حالته تفاقمت ، وبدا لي أنه يعيش أيامه الأخيرة. لقد كانت تلك الأعراض أكيدة : إذ توفي بعد ثلاثة أيام ، وشاركت في وضعه في تابوته. وأقام السيد دوكيه في القنصلية ليصرّف شؤونها بالوكالة ، وتحدد موعد الدفن على أن يكون في اليوم التالي. وقد وعد الباشا بإرسال مفرزة لائقة من الجنود النظاميين ، وعدد من القواسين (١) Cawas يكفي لأن يكونوا في أول الموكب وآخره. ولكنه بدا في اللحظة الأخيرة أنه قام بالأمر على مضض ، وبمنتهى السوء ، وكنت والسيد كول متفقين على رفض كل ما قدمه من القواسين Cawas والجنود. لقد كنت منزعجا كل الانزعاج من عدم التقدير الذي يلقاه ممثل فرنسا من ذلك التركي ، في الوقت الذي تبذل فيه فرنسا دماء أبنائها وذهبها من أجل تركية ؛ وقد كان السيد كول مستاء ، وأعلن بصوت عال أن الإهانة لا تمس فرنسا فقط ، وإنما تمس بريطانيا نفسها ، والعالم المسيحي كله. ورفعت شكوى إلى إستانبول وباريس كما ينص القانون في مثل هذه الحالات ؛ ولكنني لا أعلم أن الحكومة التركية قامت بالاعتذار عما حدث.
ومهما يكن من أمر فإن جثمان قنصل فرنسا حمل إلى مثواه الأخير ، كما لو أنه من عامة الناس ، على أكتاف / ٣٠٩ / أربعة من العرب كانوا ، حسب تقاليد البلد ، يجرون بالجنازة مسرعين. كنّا نتبعهم ؛ أنا ورفيق رحلتي ، والسيد كول ، والسيد
__________________
(١) ضباط الشرطة كما ذكر بيرتون في رحلته ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ٩ ، ٣٢ ، ٤٢.