بغداد ... اخيرا اخذنا قاربا وعبرنا فرعا من فروع دجلة ، وبعد ان دفعنا اجرة العبور ، دخلنا الى قرية صغيرة اسمها العمارة ، فنزلنا في اسطبل ، وهناك قدم رجال الكمرك ففحصوا امتعتنا بتدقيق كبير ، فلم يجدوا شيئا يجلب الانتباه ، ثم باشروا بتفتيش المسافرين الاخرين ، فوجدوا عند احد الخدام تمثالا صغيرا من العاج ، ولم اكن اعلم عنه شيئا ، لاني كنت قد منعت الخدم منعا باتا من حمل اشياء تثير الشكوك وتجذب الانظار فما ان وجدوا التمثال حتى بانت على وجوههم امارات الاستبشار والانتصار ... فاخذوا يهددون ... املين ان ندفع لهم فدية عالية من اجل استرجاع التمثال ... فذكرنا لهم باننا نسافر الى بغداد بحماية قادر باشا الذي يعرفونه حق المعرفة ويهابون جانبه ويخشون بطشه ، وقلنا لهم اذا ما تجاسرتم واخذتم رسوما منا ، فانه سيعوضنا الواحد باثنين ، لكن احتجاجاتنا كلها لم تفد شيئا ولم تزعزعهم عن عنادهم ... لقد اصروا على انتزاع شيء من المال ، وكان الجندي الانكشاري المرافق لنا مستعدا للكلام وتهدئة النقاش ، اما لدفع المال فهو غير مستعد البتة. فاضطررت اخيرا إلى ان ادفع قطعتي عباسي ثم ثلاثا لرجال الكمرك الذين يطلق عليهم اسم (؟) Sassi ففرحوا للوهلة الاولى ، ثم عادوا يلحون طالبين المزيد اي عشرين قرشا ، ولم يكتفوا بهذا المبلغ بل راحوا يطلبون مئة قرش! بالحقيقة لم يكن معي الا ٢٥ قرشا (فقد وضعت الباقي جانبا لتكملة سفري الى بغداد) فقدمت ما عندي وحاولت التملص من الورطة بمختلف الاعذار ، لكنهم لم يقبلوا ، وهكذا مضى الليل دون ان نرقد ، لقد ملأت الكآبة نفسي بسبب هذه الجزية الظالمة ، وكان الذباب يحوم حولي مثل ما حدث لنا في الحي ، كما ان الخيل بحركاتها وصهيلها الدائم لم تدعني اغمض عيني.
وعند الصباح دعوت مرافقنا الانكشاري واسمه محمد باشا ، وطلبت منه ان يحل المشكلة فيدفع اقل مبلغ ممكن ، وسأؤدي المبلغ الذي يتفقون عليه من عندي. فأجابني انهم لن يرضوا باقل من مئة قرش ، واعلن انه لن يدفع فلسا واحدا من عنده ، وبعد هذه المداولة قرر السفر حالا الى بغداد ، بينما نمكث نحن في البلدة ، وسيحاول ان يجد في بغداد ، حلا لمشكلتنا ويرسل