ذهبت انا والاب جيوفاني تاديبو الى دير الاباء الكبوشيين (١) الذين قدموا الى هذه المدينة منذ فترة وجيزة ، فمكثنا عندهم اربعة ايام ، وقد احسن السيد سليمان ضيافتنا خلال هذه الفترة ..
وجدت الموصل في هذه الزيارة مقفرة من السكان بنوع ملحوظ اكثر من الزيارة السابقة ، فقد رأيت طرقا عديدة من دون سكان ، وابواب الحوانيت مغلقة. وعلمت ان التجار واهل الصنائع تركوا اعمالهم وهربوا الى كردستان تخلصا من دفع الضرائب الباهظة.
وفي فترة وجودي في ام الربيعين ، حضرت الاحتفال الذي اقيم بمناسبة وصول والي بغداد الجديد الى الموصل قادما من اسطنبول ، فقد خرج والي الموصل (٢) ، لاستقباله على بعد ميل خارج المدينة وكان الاحتفال عظيما ، والجدير بالذكر ان مراسم الدخول الى المدينة هي اعظم مما يصنع لملوكنا في اوروبا (٣).
كان موكب الاستقبال مؤلفا ، في الواقع ، من عدد كبير من الجنود والموظفين الرسميين ، وكان الجنود على ظهر الخيول ، وفي الموكب رايات كثيرة ، وطبول وابواق وازياء غريبة لكنها مصنوعة من اقمشة عادية غير ثمينة ، وكان هناك وسادة واحدة «تخت الوالي» مغطاة بقماش من النوع العادي ، وكانت ثابتة تحت قضبان المحمل لا تتقدم مع الموكب ، ويتم الجلوس عليها حسب الطريقة الاسيوية اعني القرفصاء وقد اطلقت المدفعية من اعلى السور مرتين بالقبرات الحديدة ، لكن الطلقتين لم تكونا قويتين جدا ، مما جعلني اضحك على جهل المدفعيين وخوفهم من المدافع.
__________________
(١) راجع الملحق رقم (٢٠)
(٢) كان والي الموصل انذاك احمد باشا.
(٣) كان العثمانيون يهتمون كثيرا بالمظاهر الخارجية ، وفي اجراء المراسم والاحتفالات الكبيرة كي تعطي انطباعا جيدا في رعاياها فيؤمنون بعظمة المملكة. وقد قال ذلك احد الرهبان الاجانب الذين عاشوا فترة في حلب ، وحضروا تلك الاحتفالات».