سكانها ... فالموصل على سبيل المثال ، كانت مكتظة بالسكان في زيارتي الاولى ، بينما رأيتها مؤخرا مقفرة وقد غادرتها اكثرية سكانها.
والحوانيت مغلقة ، لان اصحاب الصنائع والمهن والتجار كانوا قد هربوا الى جبال الاكراد ... اذ لم يبق لهم ما يقدمونه للضريبة العثمانية الجشعة.
ولقد اضعفت الامبراطورية وانهكت قواها حربها الطويلة مع البندقية ... لقد بدأ الاتراك يشعرون بسوء احوالهم ، وقلة الارزاق ، منذ ان بدأت هذه الحرب.
أما عن الطاعون فحدث عنه ولا حرج ، فقد كان منتشرا في ارجاء الامبراطورية ، وما ان تتخلص منه ولاية حتى تبتلى به ولاية اخرى ، لقد اضعف الطاعون قواها وشل حركتها.
ومن اسباب اضعاف الامبراطورية وانهاكها ، الحروب الاهلية والثورات التي كانت تنشب هنا وهناك. وعلى سبيل المثال الحرب التي شنها حسن باشا والي حلب ، لقد هزت هذه الثورة آسيا الصغرى كلها وبلاد ما بين النهرين ومختلف الولايات ثم استطاع مرتضى باشا خداعه فقطع رأسه ورؤوس اتباعه (١) وكانوا كلهم من القادة المحنكين ومن كبار موظفي الدولة. وبعد فترة انقلب ظهر المجن فحدث لمرتضى باشا ولاتباعه ما حدث لعدوه وقضي عليهم على يد احد امراء الاكراد بالقرب من الموصل ، وذلك بتحريض من الصدر الاعظم (٢) ، ان هذه المكائد حرمت الامبراطورية من رجال قديرين فاهمين (٣).
قد يعتقد البعض ان عدد الجنود الهائل الذي ارسله العثمانيون في الحرب الاخيرة ضد الامبراطور يكذب اقوالي ، لكني اعود فاقول بان عدد الانكشاريين كان قليلا دائما ، اما غالبية المحاربين المسلحين جمعت من الرعاع ، دون اعداد كامل لحمل السلاح كما ظهر بوضوح فيما بعد ...
__________________
(١) كلشن خلفا ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، الغزي : نهر الذهب في تاريخ حلب ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.
(٢) كلشن خلفا ص ٢٦٠.
(٣) Von.Hammer : op.cit.,vol.١١ ,p.٠٦ ss.