في طريقها من بغداد الى الموصل : واذ كان المناخ حارا لا يحتمل والرياح قوية ، فقد مات منهم اربعون جنديا ، لم يوار التراب منهم سوى اثنين ، بينما بقيت جثث الاخرين دون دفن ، فتكالبت الوحوش عليها (١) في ذلك اليوم نفسه مات رجلان وامرأة من قافلتنا ، فكان لموتهم المفجع تأثير في افراد القافلة كلهم ...
لقد كنا ، انا ورفاق السفر ، غارقين الوقت كله بعرقنا ، منذ خروجنا من حلب حتى وصولنا الى بغداد. وقد تهب الريح احيانا فتنشف العرق عن اجسامنا ، لكنها كانت ريحا مزعجة للغاية فهي محملة بهواء حار كلهيب النار ... ولقد اصبحنا اكثر من مرة في الرمق الاخير. وهكذا كفرت عن خطاياي امام الرب ، وفكرت في اعماق نفسي بجهنم ... وظهر الموت حلوا لنخلص من العذاب الذي كنت فيه ...
في اليوم الثاني حللنا في مره كثري (؟) Caragheisie وهي قرية للارمن ايضا ، وتقع على هضبة في وسط ارض مقفار جدباء لا نهاية لها ، وقد احرقتها الشمس.
لم نتقدم كثيرا في ذلك اليوم ، لان دليلنا تركنا في ظلام الليل الدامس وهرب. فلما حل المساء عاودنا السفر. ونحو الساعة الثالثة تعالت صراخات حارس مؤخرة القافلة ، يدعونا الى حمل السلاح ، فاوقع الذعر في نفس الاغا ، فاجتمع هو وحراس مقدمة القافلة بالقرب من الخزينة ، والتجأت بدوري بالقرب منهم ... واذا بالقادمين جماعة من البدو كانوا يريدون الانضمام الى قافلتنا ولم يكونوا لصوصا ...
__________________
. ويكتبها الاتراك «يكجري» ويلفظو الكاف نونا ، وهم جنود مشاة في الجيش العثماني ، دام امر هذا الجيش من القرن الرابع عشر للميلاد إلى أن اباده السلطان محمود الثاني سنة ١٨٢٦. وأصل هذا الجيش من الاولاد المسيحيين الذين كانوا يؤخذون كجزية او يؤسرون في الحرب ، فيدربون تدريبا عسكريا ويتشبعون بروح النضال من اجل السلطان.
(١) حدثت هذه المأساة في طريق الموصل ـ بغداد كما سيذكر المؤلف في الفصل التالي.