لقد جاد من اوصى بي خيرا عند ربان الدانك ، وانا بدوري حاولت كسب رضاه ، فاعطيته المال الذي طلبه مني. ولذا اصبح مهذبا جدا في علاقته معي. ومن ناحية اخرى ، كان للاباء المذكورين براءة سلطانية ، ومنها نسخة طبق الاصل مصدق على صحتها من قبل والي بغداد ، لذا طلبتها منهم ، ووعدتهم باعادتها اليهم من البصرة في فرصة سانحة وكانت البراءة المذكورة جزيلة الفائدة لنا.
كان معنا على ظهر الدانك اتراك كثيرون ، ودراويش وتجار وجنود انكشاريون ، وجماعة من البدو والهنود ، وقسيس نسطوري واخر يعقوبي ، وكاهنان أرمنيان ، تقدم احدهما منا منذ بدء السفر ليكون ضيفا علينا بحجة واحدة من عادات البلد «اعني الضيافة الشرقية!». وكان القسيس ياتي عندنا احيانا ، ليطلب بلباقة ما يحتاج اليه.
في الايام الثلاثة الاولى كان تقدمنا بطيئا ، وكنا نسير بمحاذاة الشاطىء ، فرأينا قرى عديدة ، وكان الربان رجلا عربيا متعجرفا جدا ، ويدعي في غطرسته انه الشخص الوحيد الذي يملك سر فن قيادة المراكب ، ولكن لم يمر وقت طويل حتى ظهر جهله المطبق في هذا المضمار ، فقد كان التيار يسيره ، وكان يصطدم من وقت الى اخر بضفة النهر او باليابسة ، وما اكثر ما كان الكوثل (١) يتحول الى الامام!
وفي اليوم السادس من سفرنا اصطدم الدانك بمرتفع رملي ، فدعا الربان جميع المسافرين لمساعدته ولما تململ بعضهم ، اضطر جنديان الى ضرب المسافرين وارغامهم على النزول الى النهر لتخليص المركب : وطلبوا مني ان انزل أنا ايضا لكنني امتنعت لاني كنت مريضا ، فقد كنت اشعر بالم حاد في الكلى والمعدة ، فاسرع الربان نفسه لنجدتي ، فبقيت انا ورفاقي فوق المركب ، وذهبت الجهود التي ابداها القوم ادراج الرياح ، فكان من الضروري ان ننتقل الى دانك اخر ، فحولوا الامتعة والاموال ، وانتقلت انا وزملائي الى المركب
__________________
(١) الكوثل : مؤخرة السفينة.