بأس بها ، يسكنها عدد من الصابئين ، وقد اعطونا مقدارا من الحليب ، وكانوا يشيرون الى واحد منهم كان قد اعتنق الاسلام قبل مدة ، فلما شعر بان الكلام يدور عليه استشاط غضبا فاخذ يصرخ ويسب ورفع قبضته مهددا.
بعد ان عبرنا قرية العرجة تحرش بنا بعض الاعراب نحو منتصف الليل ، ولما كنا على استعداد لمناجزتهم ، فانهم لم يتمكنوا من مباغتتنا او ان يلحقوا بنا اذية. كما استطعنا النجاة من خطر اخر اشد ، فقد مر بنا اسد هائج ، وكاد ان يهجم علينا اما الخطر الاقوى فكان القيظ الشديد ...
وصلنا الى السماوة Samauat وهي قرية كبيرة ، فمكثنا فيها يومين ، وحدث هناك ان ربان دانكنا غضب على غلام كان يداعبه ، وفي سورة غضبه كاد ان يقضي عليهما اذ رماهما من الدانك ، لا لشيء الا ليتخلص من دفع الرسوم عنهما .. وكان الربان يعاقر الخمرة فتجده ثملا معظم الوقت ..
بعد تركنا السماوة مررنا ونحن في النهر في مناطق تكثر عليها الخيام ، وفي التاسع من شهر ايلول ، شاهدنا في احدى الخيام ، صبايا عربيات وهن يرقصن. وكان الرقص يجري بأن تقف الفتيات اثنتين اثنتين ، تقوم الواحدة واقفة فوق كتفي رفيقتها وكان شعر رؤوسهن منثورا ، وفيه زينة «حلي؟» كثيرة.
اما ثيابهن فقد كانت بسيطة وطويلة ولها اكمام عريضة ، وكن يقفن ويتراقصن ويغنين فرحات جذلات ويؤدين العابا جميلة ، وكان ذلك بمناسبة الاحتفال بعيد الاضحية الذي يدوم ثلاثة ايام. ففي هذا اليوم يقوم الاتراك «المسلمون» بنحر الاغنام والكباش في المدينة (المنورة) ، اما الايرانيون فانهم ينحرون الابل.
وبعد ان يضحوا ، يدخلون لزيارة قبر النبي والتبرك به.
كان احد الركاب الفرنسيين قد اصيب بالزحار (الديزنطري) منذ بضعة ايام. وقد ناولناه الادوية التي كانت في حوزتنا في ظروف كهذه ، لكنه لم
__________________
ـ اما العرجاء او العرجة فتقع شمالي الناصرية بنحو ثلاثة كيلو مترات (يعقوب سركيس : مباحث عراقية ٢ / ٣٧٤ ، علي الشرقي : الجزائر في مجلة لغة العرب ٤ (١٩٢٧) ص ٥٢٦ ـ ٥٣٠.